للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقتئذ إلى الحياة تفسيراً يتفق ومصلحة المطالب الإمبراطورية. ولسنا نعلم أكان منشأ هذا العمل من جانبه أن دراسة القانون الروماني أقنعته بقوة الحجج التاريخية والعملية التي تؤيد تفوق السلطة الإمبراطورية على السلطة الدينية أم أن المكافآت التي تتيحها له الخدمة الإمبراطورية قد أغرته بهذا الانحياز؟ وسواء كان هذا أو ذاك فإن الأباطرة الذين قدروا له عمله أغدقوا المال على المدرسة، وهرع عدد كبير من الطلاب الألمان إلى بولونيا، وألف أرنربوس مجلداً في التأويلات أو الشروح على كتاب القوانين لجستنيان وطبق الطريقة العلمية علة تنظيم القانون. ويعد كتاب قوانينه الذي جمعه أو جمع مع محاضراته آية من آيات المرض الجيد والحجج القوية.

وبدأ بإرنريوس العصر الذهبي في التشريع أثناء العصور الوسطى، وأقبل الرجال على بولونيا من جميع بلاد أوربا اللاتينية ليتلقوا فيها علم القانون الذي عاد وقتئذ إلى شبابه، وطبق جراتيان تلميذ أرنريوس الأساليب الجديدة على التشريع الكنسي، ونشر (١١٣٩) المجموعة الأولى من القانون الكنسي. وجاء بعد أرنريوس "العلماء الأربعة"- بلجارس Bulgarus، ومرتينس Martinus، وياقوبس Jacobus، وهوجو Hugo- بسلسلة من التأويلات الشائعة الصيت لتطبيق دستور جستنيان على المشاكل التشريعية في القرن الثاني عشر، وافلحوا في إدخال القانون الروماني إلى ميدان مطرد الاتساع. وجمع أكرسيوس Accursius الاكبر (١١٨٥؟ - ١٢٦٠)، أعظم "الشراح " في بداية القرن الثالث عشر، أعماله هو وأعمالهم في شروح عامة أصبحت هي المرجع المعتمد الذي استعان به الملوك والعامة على تخطيط سلطان القانون الإقطاعي، ومحاربة سلطان البابوات. وبذلت البابوية كل ما تستطيع من الجهد لتعطيل حركة بعث القانون الذي يجعل الدين عملاً من أعمال الدولة وخادماً لها، ولكن الدراسة الجيدة غذت النزعة العقلية وحركة التحول إلى الناحية الدنيوية اللتين قامتا في القرنين الثاني عشر والثالث عشر، وكانت هي المعبرة عنهما، وأوجدت طبقة من المحامين أخذت تتضاعف على مر الأيام وتجد في تخفيض نصيب الكنيسة في الحكم وتوسيع سلطان الدولة. ووصل الأمر إلى حد شكا معه القديس برنار من أن محاكم أوربا تدوي بشرائع جستنيان، ولم تعد تسمه قوانين الله (٤٢). وكان انتشار فقه القانون الجديد حافزاً إلى خلق روح الاحترام للقانون، والشغف باتباع العقل لا يقل عن تراجم الكتب العربية واليونانية، وكان هذا الشغف هو الذي أوجد الفلسفة المدرسية الكلامية وقوض بعدئذ أركانها.

ولسنا نعلم متى قامت مدرسة للفنون- أي الفنون السبعة الحرة، في بولونيا، كما لا نعلم أيضاً متى أنشأت مدرسة الطب الشهيرة بهذه المدينة. ومبلغ علمنا أن الصلة الوحيدة التي قامت بين المدارس الثلاثة كانت تنحصر في أن يتسلم جريجو كل واحدة منها درجاتها من وكيل الأسقف في بولونيا. وقد نظم