للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وموضوع أسفار اليوبانشاد هو كل السر في هذا العالم الذي عز على الإنسان فهمه: "فمن أين جئنا، وأين نقيم، والى أين نحن ذاهبون؟ أيا من يعرف "براهمان" نبئنا من ذا أمر بنا فإذا نحن هاهنا أحياء .. أهو الزمان أم الطبيعة أم الضرورة أم المصادفة أم عناصر الجو، ذلك الذي كان سبباً في وجودنا، أم السبب هو من يسمي "بوروشا"- الروح الأعلى؟ (١٠٣)، لقد ظفرت الهند بأكثر من نصيبها العادل من الرجال الذين لا يريدون من هذه الحياة "ما لا يعد بألوف الألوف، وإنما يريدون أن يجدوا الجواب عما يسألون"، فتقرأ في سفر "ميتريى" من أسفار يوبانشاد عن ملك خلف ملكه وضرب في الغابة متقشفاً زاهداً، لعل عقله بذلك أن يصفوا ليفهم، فيجد حلاً للغز هذا الوجود، وبعد أن قضى الملك في كفارته ألف يوم، جاءه حكيم "عالم بالروح فقال له الملك: "أنت ممن يعلمون طبيعة الروح الحقيقية، فهلا أنبأتنا عنها؟ " فقال الحكيم منذراً: "اختر لنفسك مآرب أخرى" لكن الملك يلح، ويعبر في فقرة- لابد أن تكون قد لاءمت روح شوبنهور وهو يقرؤها- عن ضيقه بالحياة، وخوفه من العودة إليها بعد موته، ذلك الخوف الذي تمتد جذوره في كل ما تطرب به رءوس الهندوس من خواطر وأفكار، وهاك هذه الفقرة:

"سيدي، ما غناء إشباع الرغبات في هذا الجسد النتن المتحلل، الذي يتألف من عظم وجلد وعضل ونخاع ومنيّ ودم ومخاط ودموع ورشح أنفي وبراز وبول وفساء وصفراء وبلغم؟ ما غناء إشباع الرغبات في هذا الجسد الذي تملؤه الشهوة والغضب والجشع والوهم والخوف واليأس والحسد والنفور مما تنبغي الرغبة فيه والإقبال على ما يجب النفور منه، والجوع والظمأ والعقم والموت والمرض والحزن وما إليها؟ وكذلك نرى هذا العالم كله يتحلل بالفساد كما تتحلل هذه الحشرات الضئيلة وهذا البعوض وهذه الحشائش وهذه الأشجار التي تنمو ثم تذوي … وإني لأذكر من كوارث جفاف المحيطات الكبرى وسقوط قمم الجبال وانحراف النجم القطبي رغم ثباته … وطغيان البحر على