للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأسرى بلغوا من الكثرة حداً أدي بهم إلى البوار بعد بضعة أعوام، بحيث يتعذر أن تجد من يدفع أكثر من شلنات قليلة ثمناً للعبد من هؤلاء؛ وكان محمود كلما هم بعمل حربي هام، جثا على ركبتيه مصلياً يدعو الله أن يبارك له في جيشه؛ وظل يحكم ثلث قرن، فلما جاءته منيته، كان قد أثقلته السنون ودواعي الفخار، فوصفه المؤرخون المسلمون بأنه أعظم ملوك عصره، ومن أعظم الملوك في كل العصور (٧٤).

فلما رأى سائر الحكام المسلمين ما خلعه التوفيق من جلال على هذا اللص (١) العظيم، حذوا حذوه، ولم يستطيع أحد منهم أن يبزه في خطته؛ ففي عام ١١٨٦ م قامت قبيلة تركية من الأفغانستان، وهي قبيلة الغوريين، بغزو الهند والاستيلاء على دلهي، وخربوا معابدها وصادروا أموالها ونزلوا بقصورها ليؤسسوا لأنفسهم بذلك سلطنة دلهي - وهي سلطنة استبدادية وفدت إلى البلاد من خارج، وجثمت على شمالي الهند ثلاثة قرون، لم يخفف من عبئها إلا حوادث الاغتيال والثورة؛ وكان أول هؤلاء السلاطين الأشرار هو "قطب الدين أيبك" الذي يعد نموذجاً سوياً لنوعه - فهو متهوس في تعصبه غليظ القلب لا يعرف الرحمة؛ ويروي لنا عنه المؤرخ المسلم فيقول أن عطاياه "كانت توهب بمئات الألوف، وقتلاه كانوا كذلك يعدون بمئات الألوف ففي قصر واحد ظفر به هذا المحارب "الذي كان قد بيع عبدا "وضع في أغلال الرق ٥٠ ألف رجل واسودت بطاح الأرض بالهنود" (٧٥)؛ وكان "بَلْبان"- وهو سلطان آخر- يعاقب الثائرين وقطاع الطرق برميهم تحت أقدام الفيلة، أو ينزع عنهم جلودهم، ثم يحشو هذه الجلود بالقش ويعلقها على أبواب دلهي؛ ولما حاول بعض السكان المنغوليين الذين كانوا قد استوطنوا دلهي واعتنقوا الإسلام، أن يقوموا بثورة، أمر السلطان علاء الدين (فاتح شيتور) بالذكور جميعاً- ويقع عددهم بين خمسة عشر ألفاً وثلاثين ألفاً-


(١) إن شريعة الحرب تجيز إضعاف العدو مادياً ومعنوياً بكل سبيل، وليس من الإنصاف تلوين الفتح الإسلامي للهند بأنه كان سلباً ونهباً مثلما ورد في هذا الموضع، إن وصف السلطان الغزنوي بهذا الوصف هو غبن لهذا الفاتح العظيم. (الإدارة الثقافية)