للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مذكرات بابر Babur الذي أبعد عن بلده. ولكن الفن على عهد الصفويين، ولو أنه سيبلغ ذروته متأخراً عنهم، بدأ في هذين العهدين (عهد إسماعيل وابنه) ينتج أعمالاً تتسم بالعظمة والتألق والنقاوة التي تميزت بها منتجات فارس الغنية لمدة اثنين وعشرين قرناً. وقد أبرزت مقبرة "هارون الولاية" في أصفهان كل ما أودع في الرسم الكلاسيكي الفارسي من دقة ورقة، وأزهى الألوان، وتقطيع الفسيفساء الخزفية المزخرفة. كما توج بوابة مسجد الجمعة الكبير نصف قبة معقدة. وأسس كذلك في هذا العصر في شيراز "مسجد جامع" آخر، ولكن الزمن لم يبق على شيء منه.

وثمة أمثلة كثيرة دلت على أن أشغال التذهيب الدقيقة والخط صمدت على تعاقب الزمن أكثر مما صمدت آثار العمارة، وبرزت العناية التي بذلها المسلمون في إخراج الكتاب (المخطوطات) حتى كادت تجعل منه معبوداً يحوطه الإجلال والحب. إن العرب الذين كانوا فخورين بكل شيء افتتنوا افتتاناً مستساغاً مغفوراً لهم بحروف الهجاء عندهم، تلك التي وهبت لهم من نفسها سطوراً من جمال حسي. فالفرس، فوق كل شيء جعلوا من الخط فناً لتزيين محاريب مساجدهم وأبوابهم، والمعادن التي يصنعون منها أسلحتهم، والفخار الذين يصنعون منه أعمال الخزف، ونسيج سجاجيدهم، ثم المصاحف ودواوين الشعراء، وكل أولئك تعتز به الأجيال على أنه متعة للعين وبهجة للنفس. أما خط "النستعليق (١) Nastaliq،


(١) للخط العربي أسلوبان رئيسيان هما الكوفي والنسخ. عرفهما المسلمون في القرن السابع الميلادي وهو مبدأ التاريخ الإسلامي. وأدخل على هذين النوعين بعض التعديل على مر العصور في بعض أنحاء العالم الإسلامي، وظهر في القرن الثالث عشر الميلادي في إيران نوع من الخط يعرف بالتعليق ومن مميزاته ميل حروفه من اليمين إلى اليسار في اتجاهها من أعلى إلى أسفل. وابتكر الخطاط مير علي التبريزي في القرن الخامس عشر "النستعليق" يحتفظ بمميزات النسخ والتعليق معاً. وهو نوع أكثر رشاقة من غيره من الخطوط "من كتاب الفنون الإسلامية لمؤلفه م. س ديمانه. ترجمة أحمد عيسى ص ٧٦ - ٨٦، دار المعارف بالقاهرة ١٩٥٤". (المترجم)