للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العصر، ولم يضارع أي جيش آخر جيش سليمان في سلاح المدفعية أو في الخنادق والهندسة العسكرية أو النظام والروح المعنوية، أو في العناية بصحة الجنود، أو في تموين الأعداد الهائلة من الجنود على مسافات بعيدة. ومهما يكن من أمر فإن الوسيلة كانت ممتازة لمجرد خدمة غاية معينة، وأصبح الجيش غاية في حد ذاته، حيث كان لزاماً، للحفاظ على نظامه وكبح جماحه، أن يخوض الحروب، وبعد سليمان أصبح الجيش، والانكشارية فوق كل شيء- سادة على السلاطين.

وكان المجندون الذين تحولوا إلى الإسلام من أبناء المسيحيين يشكلون غالبية الهيئة الإدارية في الحكومة التركية المركزية. وكان حقاً علينا أن نتوقع أن يخشى السلطان المسلم أحاطته برجال يحبون "الزعيم الوطني الألباني" اسكندربرج، ويحنون إلى دين آبائهم، والأمر على النقيض من ذلك، فإن سليمان آثر هؤلاء المتحولين عن دينهم، لأن في الإمكان تدريبهم منذ نعومة أظفارهم على مهام محددة في الإدارة. والأرجح أن بيروقراطية الدولة العثمانية كانت أقدر ما وجد من نوعها في النصف الأول من القرن السادس عشر (٢٨)، ولو كانت عرضة للرشوة بشكل يسيء إلى سمعتها، وضم الديوان- وهو بمثابة الوزارة في الحكومات الغربية- كبار رجال الإدارة تحت رئاسة الوزير الأكبر عادة. وكان لهذا الديوان سلطات استشارية أكثر منها تشريعية. وكانت توصياته تصبح عادة قانوناً بمقتضى قانون أو مرسوم من سلطان. وكانت السلطة القضائية يتولاها القضاة والأئمة (كبار القضاة) من العلماء. ولحظ أحد المراقبين الفرنسيين نشاط المحاكم وسرعة البت في المحاكمات وصدور الأحكام (٢٩)؛ كما اعتقد مؤرخ إنجليزي كبير أن "سير القضاء في عهد الحكام العثمانيين الأولين كان في تركيا أفضل منه في أية بقعة في أوربا، وأن رعايا السلطان المسلمين كانوا أدق نظاماً من معظم