للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هؤلاء الرجال، ولكنها لم تدع هذا يشوه فخامة جلالتها أو يقلل من حيوية بلاطها ومرحه ونشاطه.

وتألقت حولها وجوه جديدة، جلبوا إليها شباباً بديلاً. وكان كرستوفر هاتون رشيقاً لدرجة أنها عينته مستشاراً (١٥٨٧). وظلت مترددة تسع سنوات في قبول نصيحة برجلي في تعيين ابنه الحصيف الأحدب روبرت سيسل وزيراً لها. وكانت أكثر استساغة لقسمات والتر رالي الجميلة وقعقعة سيفه، ولم تعبأ بشكوكه الدينية الخاصة، فقد كانت لها هي الأخرى شكوكها الخاصة كذلك.

ويكاد رالي أن يكون رجل عصر إليزابث الكامل: سيد مهذب، جندي، ملاح، مغامر، شاعر، فيلسوف، خطيب، مؤرخ، شهيد، فكان "الرجل العالمي" الذي صورته أحلام النهضة الأوربية، والذي جمع العبقرية من أطرافها، ولكنه لم يدع الجزء قط ليكون كلاً. ولد رالي في ديفونشير في ١٥٥٢، والتحق بجامعة أكسفورد في ١٥٦٨، ولكنه فر من الكتب إلى الحياة، وانضم إلى مجموعة شهمة من المتطوعين ذوي الأصل الكريم، عبروا البحر إلى فرنسا ليناضلوا في صفوف الهيجونوت. وربما كانت الأعوام الستة التي قضاها في تلك الحروب قد علمته شيئاً من العنف المجرد من المبادئ الخلقية في العمل والجرأة غير المكترثة في الحديث مما شكل مصيره في مستقبل أيامه، وعاد إلى إنجلترا ١٥٧٥ وألزم نفسه بدراسة القانون، ولكنه غادر البلاد ثانية في ١٥٧٨ متطوعاً لمساعدة الهولنديين ضد الأسبان. وبعد ذلك بعامين كان في إيرلندة رئيساً في الجيش الذي أخمد ثورة دسموند، ولعب دوراً فعالاً في مذبحة سمروك Smerwick. وكافأته إليزابث باثني عشر ألف فدان في إيرلندة، وبضمه إلى بلاطها. ولابتهاجها بقوامه ومديحه لها وتملقه إياها (١) وذكائه، أصغت إليه في شك أقل ما اعتادت أن تنظر أو تسمع به إلى الناس، عندما اقترح عليها إنشاء مستعمرات إنجليزية في أمريكا، ومنحته امتياز بذلك، وفي ١٥٨٤ أرسل- ولكنه لم يصحب٠أول حملة من عدة حملات، حاولت


(١) أن قصة سجوده تحت قدميها ومعطفه ممرغ في الوحل، قصة خيالية.