للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا تكون صورة أي شئ إلا بمثابة موجة عابرة فيه، أو إن شئت فقل لا تكون صورة الشيء إلا نقطة زَبَدِ على موجة من موجاته؛ فليست الفضيلة هي ما في أعمال الخير من بطولة صامتة، كلا ولا هي نشوة من التقوى ينتشيها من يوصف بها؛ بل هي مجرد الاعتراف بوحدة النفي مع كل نفس أخرى في حقيقة واحدة هي براهما؛ والحياة الخلقية إن هي إلا ضرب من الحياة يكون أساسه الشعور بما بين الأشياء كلها من اتحاد (١)، "إن من يدرك كل الكائنات في نفسه، ويدرك نفسه في كل الكائنات، لن يصيبه شئ من القلق بعدئذ، إذ كيف يمكن أن يصاحبه بعد ذلك وهم أو أسى؟ " (١٣٠).

إن ما حال دون أن توسع هذه الفلسفة نطاقها بحيث تؤثر في المدنيات الأخرى، هو بعض الخصائص المميزة لها، التي لا يرى الهندي من وجهة نظرة شيئاً يعاب؛ فمنهجها، واصطلاحاتها الاسكولائية ومزاعمها الفيدية تحول بينها وبين أن تجد إقبالاً في أمم لها مزاعم أخرى، أو تثقفت بثقافات أكثر اتصالاً بهذا العالم الذي تعيش فيه؛ فمذهبها الخاص "بالمايا"- أي الظواهر- لا يبعث إلا قليلاً على الحياة الخلقية وفعل الفضيلة، وتشاؤمها هو بمثابة الاعتراف منها بأنها لم تفسر الشر، على الرغم من نظرية "الكارما" التي تحتوي عليها؛ وقد كان بعض تأثير هذه المذاهب الفلسفية، أن تزيد في حمل الناس على السكينة الهامدة في وجه الشرور التي كان يمكن عقلاً أن تصحح، أو إزاء عمل كان كأنما يصيح منادياً لعله يجد من يؤديه؛ ومع ذلك ففي هذه التأملات عمق، إذا ما قارنته بالفلسفات التي تحض على النشاط، والتي نشأت في مناطق أبعث على الفاعلية، أقول إن في هذه الفلسفات عمقاً يصبغ الفلسفات الأخرى الباعثة على النشاط، بلون التفاهة؛ فيجوز أن تكون


(١) راجع سبينوزا: "إن أعظم الخير هو معرفة الاتحاد بين العقل وسائر الطبيعة، فالحب العقلي لله" هو ما يلخص الفلسفة الهندية.