للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخلقهن-غيورات في دينهن إلى حد التعصب، يربين أطفالهن ويكرسنهم ليواصلوا الحرب المقدسة حتى الموت أو النصر. وقد أنشأت ولدها الشهير الذي عرف فيما بعد بهنري الرابع، على كل فضيلة إسبرطية وبيوريتانية، ولم يفسح لها في الأجل حتى تراه يرتد إلى مرح النهضة المنحل. ولا بد أنها لأعجبت أشد الإعجاب بجاسبار دكوليني، فقد جمع في شخصه كل مثلها الأعلى: إنسان شريف لقباً وخلقاً، وزعيم حصيف وفيّ لقضية الهيجونوت، وجندي ورجل دولة صارم أخزت مناقبه خيانات البلاط المتوارية خلف طلاء زائف.

كان كالفن قد حذر أتباعه الهيجونوت من المقاومة العنيفة للحكومة (١١). ولكن صبرهم عيل تحت وطأة الاضطهاد. ذلك أن هنري الثاني كان قد أمر جميع القضاة بأن يحكموا بالإعدام على كل البروتستنت المتشبثين بعقيدتهم (يونيو ١٥٥٩). ثم جدد فرنسيس الثاني هذا الأمر بتحريض من الأخوين جيز، وأضاف إليه أمراً بهدم جميع المباني التي تعقد فيها اجتماعات دعاة الإصلاح البروتستنتي، وأمراً بإعدام الأشخاص، وحتى الأقرباء، الذين يؤوون مهرطقاً محكوماً عليه، أو يقصرون في إبلاغ الحكام عنه. وفي الشهور الخمسة الأخيرة من عام ١٥٥٩ أحرق ثمانية عشر شخصاً أحياء لتماديهم في الهرطقة، أو لرفضهم حضور القداس أو تناول القربان الكاثوليكي. وفر مئات من الهيجونوت الفرنسيين إلى جنيف حيث آواهم كالفن. أما الذين بقوا في فرنسا فقد بدأوا ينظمون أنفسهم لخوض الحرب الأهلية.

وفي ٢٣ ديسمبر ١٥٥٩ أحرقت آن دبور لأنها اجترأت في «برلمان» باريس على إدانة الاضطهاد بسبب الهرطقة. وبعد هذا بقليل خنق جاسبار وهو في قصر فانسين الريفي بأمر الأخوين جيز، وتآمر زوج أخته، جودفروا دباري، سيد إقليم رنودي، مع الأشراف وغيرهم على اعتقال الأخوين جيز وعزلهما بهجوم مباغت يقومون به في أمبواز، واكتشف