للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يقل عن فيشارت حيوية رجل آخر مات في نفس السنة، ١٥٩٠، بالغاً نفس العمر، هو نيقوديموس فرشلين، الذي عاش أكثر من عشرة أعمار في عمر واحد. ففي العشرين كان أستاذاً للتاريخ والشعر في توينجن، ونظم الشعر اللاتيني في رقة تذكرك برقة هوراس، وكتب شروحاً علمية لفرجيل. وفي الخامسة والثلاثين طرد لهجائه النبلاء. وبعدها عاش عيشة الاستهتار والمرح، فأسرف في الشراب، زاعماً أن الخمر لا غنى عنها للعبقرية، وأن أشعار الزاهدين في الخمر هزيلة هزالاً حقيراً، وقد اتهم بإفساد فتاة وتسميم أخرى، وإذ كان مهدداً بالمحاكمة الجنائية لعدوانه على الفضيلة، فقد ظل يفر من بلد إلى بلد، وأهدى محاضرة منشورة إلى أحد عشر رجلاً من الأعيان المختلفين، الذين وزّعهم توزيعاً جغرافياً، ليوفروا له ملجأً يلوذ به في أي مكان، ولكنه مات أثر كبوة قبل أن ينتهي من إبداء رأيه في أعدائه. وجرياً على عادة ذلك الزمان نعتوه بأنه: "شاعر قذر حقير، وسقط للشيطان كذاب لئيم (٣٥) ". ولكنه كان ألمع شاعر استطاعت ألمانيا أن تنجيه في ذلك الجيل الشقي.

أما الفن فقد أضر به عزوف البروتستنت عن الصور والتماثيل، واضمحلال الكنيسة بوصفها راعية للفن، وإفساد التأثير الإيطالي الغريب على ألمانيا للطرز الوطنية، وتدهور الذوق نتيجة لخشونة الأخلاق وعنف الجدل، ثم نار الحرب الآكلة بعد ذلك. وأعجب العجب أن تنتج الحرفية الألمانية، برغم هذه المثبطات، في العقود الستة السابقة للحرب، عدة قصور فخمة، ودور للبلدية بهية، وتنجب مصوراً قديراً، وتبدع بعض التحف الثمينة في الفنون الصغيرة. وكانت مجموعات الإمبراطور رودلف الثاني والدوق ألبرت الخامس أمير بافاريا نواة لمتحف ميونخ الشهير "قاعة الفن القديمة" وكان ألبرت نفسه "مديتشيا ألمانيا"، فأحال بلاطه جنة "للفنانين" وجمّل