للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تحديد الأصول والمراجع عند الاختلاف]

حتى يكون النقاش مفيداً فلابد أن يكون هناك أصول يرجع إليها، والأصول التي يرجع إليها في النقاشات -وخصوصاً النقاشات العلمية- هي الكتاب والسنة بطبيعة الحال؛ لأن الله قال: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشورى:١٠] وقال: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:٥٩] فلابد أن يكون هناك تسليم بهذا، وليس إذا أتيت له بآية قال: لا.

كما قال الشيخ عبد الرحمن الصمد رحمه الله، قال: لما أراد أن يناظر واحداً من الصوفية في بلاد الشام، فدخلوا في قضية الأموات والمقبورين فقال الشيخ: هذا الميت الذي تقولون عنه إنه ولي هو بشر لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، وكيف يملك لكم أنتم نفعاً، كيف يملك لغيره نفعاً وهو لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً؟ قال: بلى عنده ما عنده، فأتى الشيخ بالآية وقال: قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف:١٩٤] فقال ذاك الصوفي: يا ابني! هذه آية وهابية نشرك فيها.

فسبحان الله! صار القرآن مقسماً إلى قرآن وهابية، وقرآن صوفية، إنها لمصيبة! فإذاً لابد أولاً من التسليم بالمرجع، أي: لنحتكم إليه إذا تنازعنا {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء:٥٩].

ولذلك لما جرت مناظرة بين الشافعي وإسحاق رحمهما الله في كراء بيوت مكة، والمسألة الأخرى؛ ما حكم تملك بيوت مكة؟ فالمهم أن الشافعي رحمه الله كان يرى جواز التملك والإجارة، ما دام أنه ملكه فليفعل فيه ما يشاء، وإسحاق كان لا يرى كراء بيوت مكة، فقال الشافعي في النقاش والحوار قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} [الحشر:٨] فنسب الديار إلى مالكها أو إلى غير مالكها؟ الإضافة هذه (ديارهم) تدل على أن هذه ملك لهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (من أغلق بابه فهو آمن، ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن) فنسب الديار إلى أربابها أم إلى غير أربابها؟ واشترى عمر بن الخطاب داراً للسجن من مالكٍ أو من غير مالك؟ فقال إسحاق: الدليل على صحة قولي أن بعض التابعين قال: كذا كذا، فقال الشافعي لبعض الحاضرين: من هذا الذي يناقش؟ فقيل: إسحاق بن إبراهيم الحنظلي، فقال الشافعي: أنت الذي يزعم أهل خراسان أنك فقيههم، قال إسحاق: هكذا يزعمون! قال الشافعي: ما أحوجني أن يكون غيرك فكنت آمر بعرك أذنيه، يعني: لو كان غيرك أمامي لأمرت بعرك أذنيه، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت تقول: قال عطاء وطاوس والحسن، وهل لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة؟ فإذاً لابد أن يكون هناك مرجع عند الاختصام وأقصد: أصولاً وضوابط يرجع إليها لكي يكون الحوار مجدياً

<<  <  ج: ص:  >  >>