للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[تعريف الهدية]

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: فحديثنا في هذه الليلة -أيها الإخوة- عن آداب الهدية، وهي شعيرةٌ إسلامية جميلة جداً، فبها يتم سببٌ عظيمٌ للتآلف بين القلوب والاجتماع، وشيوع المودة بين المسلمين، وهذا من أعظم ما جاء في شريعة الإسلام.

أما الهدية: فإنها ما أتحفت به، والتهادي: أن يهدي بعضهم إلى بعض، يقال: أهديت له وإليه، والجمع هدايا، وهداوى، وهداوي، وهداوٍ كما هي في بعض روايات أهل اللغة، والهدية: مفرد هدايا، يقال: أهدى له وأهدى إليه، كلاهما صحيح، فيتعدى الفعل باللام وإلى، ويقال: أهدى الهدية إلى فلان، وأهدى له هدية، أي: بعث بها إكراماً له.

ويقال أيضاً: أهديت العروس إلى بعلها، أي: زفت إليه، وهادى فلانٌ فلاناً أي: أرسل كلٌ منهما هدية إلى صاحبه.

وبالنسبة للتعريف الشرعي للهدية، فإن العلماء قد ذكروا عدة تعريفات، ويمكن أن نقول عموماً: إن الهدية هي دفع عينٍ -سواءً كانت مالاً أو سلعة- إلى شخصٍ معين -الذي يراد بالهدية هذا الشخص المعين- لأجل الألفة والثواب، من غير طلبٍ ولا شرط.

لأجل الألفة والثواب: وهو الأجر من الله سبحانه وتعالى.

من غير طلبٍ؛ لأنه لو قال: أهدني أو أعطني ربما صارت رشوة.

ولا شرط كما يشترط بعضهم في الإعانة، بشرط الإعانة.

فإذاً الهدية: هي عطية بلا اشتراط مقابل، وهناك كلمات مرادفة لكلمة الهدية مثل: الهبة والعطية والصدقة، وقد جاء عن أهل العلم رواياتٌ في التفريق بينها، ولكن يمكن أن نقول: إن الهدية والهبة والصدقة والعطية بمعنىً واحد من جهة أنها تمليكٌ في الحياة بلا عوض، فالهدية والهبة والعطية والصدقة تشترك كلها في أنها تمليك في الحياة بلا عوض؛ لأنك تملكه هذا الشيء بلا مقابل، والعطية: اسمٌ شاملٌ للجميع.

والهدية يُتقرب بها محبة لك، والهبة والعطية معناهما متقارب حتى لا يكاد يوجد فرقٌ بينهما، والصدقة: التي تُدفع إلى الشخص لقصد ثواب الآخرة فقط.

فإذاً هناك فرقٌ بين الهدية والصدقة، من جهة أن الهدية يقصد بها التحبب وثواب الآخرة، والصدقة يقصد بها ثواب الآخرة فقط.

وتُمتلك الهدية بالقبض، فإذا قبلها وقبضها صارت في ملكه، ولا تنتقل إلى ملكه إلا بقبضها سواء قبضها هو أو وكيله، واحتج جمهور العلماء بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (ولو أهدي إلي كراعٌ لقبلت).

فالهدية بناءً على ذلك لا تُملك بمجرد الإهداء، حتى تصل إلى الشخص المهدى إليه أو وكيله، فإذا استلمها صارت ملكاً له، وهذا ينبني عليه أحكام، مثلاً: هل يجوز للإنسان أن يرجع فيها؟ متى يجوز له أن يرجع فيها؟ أو متى تنتقل إلى ملكية الشخص الآخر بحيث لا تكون في ملك الأول؟ إذا قبضها المهدى إليه -استلمها- دخلت في ملكه، فمن مجرد استلامه دخلت في ملكه، أما لو قال: سأهديك، أو أهديتك، ولم يسلمه شيئاً، فإنها لا زالت باقية في ملك المهدي ولم تخرج من ملكه.

<<  <  ج: ص:  >  >>