للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الجلوس في المكان الذي خصص لك]

ومن آداب الزيارة وأحكامها أيضاً: قوله عليه الصلاة والسلام: (لا يؤمن الرجل الرجل في أهله، ولا يجلس على تكرمته إلا بإذنه) أما الإمامة فقد بيناها أن الزائر لا يؤم إلا بإذن المزور، فما معنى: لا يجلس على تكرمته إلا بإذنه؟ قال ابن مفلح رحمه الله في الآداب الشرعية: "إن أمره صاحب المنزل بالجلوس في مكانٍ لم يجز أن يتعداه؛ لأنه ملكه وسلطانه وتكرمته، لأن صاحب الدار إذا حدد لك مكاناً ما كأن يقول: تفضل اجلس هنا، فإنه يلزمك أن تجلس في هذا المكان ولا تتعداه.

ولهذا لو لم يأذن في الدخول لم يجز، فإذا أذن لك وعين المكان لزمك أن تقعد فيه، ولو أمره بالخروج لم يجز له المقام فيه، لو قال: اخرج، أو تحول من هذا المكان إلى هذا المكان لزمه أن يتحول، وإن لم يأمره بالجلوس في مكانٍ من المجلس أو من البيت، فهل يجلس؟ وأين يجلس؟ أحياناً تزور شخصاً، فتدخل البيت فما يعين لك صاحب البيت مكاناً، فلا يقول لك: اجلس هنا! إنما يدخل بك إلى المجلس ويسكت ولا يقول شيئاً، فهل تجلس قبل أن يأذن؟ وأين تجلس؟ قال ابن مفلح رحمه الله: ينبغي أن ينظر إلى عرف صاحب المنزل وعادته في ذلك، فلا يجوز له أن يتعداه، هل عرف صاحب المنزل أنه يجلس الضيوف في أي مكان؟ فإذا كان هناك مكان معين عادة أن صاحب البيت يجلس فيه الضيف جلس فيه الزائر، إذا ما عين ولم يتكلم، فإننا ننظر إلى العرف أين المكان فنجلس فيه، فإن لم يكن له عرفٌ ولا عادة فالعرف والعادة في ذلك الجلوس بلا إذنٍ خاص فيه لحصوله للإذن في الدخول، فما دام أنه أدخلك البيت فمعنى ذلك أن تنتقي مكاناً وتجلس فيه إذا لم يكن لصاحب البيت عُرفاً ولا عادة.

فمثلاً من الأماكن التي صاحب البيت لا يريد أن يجلس الضيف فيها، ما كان أمام أو بجانب الباب الذي يدخل من المجلس إلى داخل البيت، فالجلوس في هذا المكان غير مناسب، فلا تجلس فيه، وإنما تجلس في مكان لا يكون فيه إطلالٌ على داخل البيت، أو لا يكون بجانب باب الدار الداخلية -مثلاً- فهذا لا بد أن يُراعى.

ثم إن شاء جلس أدنى المجلس لتحقق جوازه مع سلوك الأدب، ولعل هذا أولى من أن يجلس في صدر المجلس، وهذا من باب التواضع ما لم يعد جلوسه هناك مستهجناً عادةً وعرفاً بالنسبة إلى مرتبته، أو يحصل لصاحب المنزل بذلك خجلٌ واستحياء فإنه يُعجبه خلاف ذلك، وربما ظن شيئاً لا يليق.

فلو قلنا: يجلس في طرف المجلس إذا كان صاحب المنزل ليس له عرف فهذا تواضع، لكن إن غلب على ظن الزائر أنه لو جلس في طرف المجلس أن هذا يؤدي إلى حرج في نفس صاحب البيت فعند ذلك يقوم ويجلس في صدر المجلس تطييباً لخاطر صاحب البيت، فلابد من مراعاة خاطر صاحب البيت.

قال خارجة بن زيد النحوي: دخلت على محمد بن سيرين بيته زائراً فوجدته جالساً بالأرض، فألقى إليّ وسادة، فقلتُ له: إني قد رضيت لنفسي ما رضيت لنفسك -أنت جالس من غير وسادة فأريد أن أجلس من غير وسادة- فقال: إني لا أرضى لك في بيتي ما أرضى به لنفسي، واجلس حيث تؤمر، فلعل الرجل في بيته شيءٌ يكره أن تستقبله، وكذلك نهى النبي عليه الصلاة والسلام عن رد الوسائد إذا أعطاك وسادة لتستعملها.

وكذلك قد يكون في المجلس في مكان معين شيءٌ لا يُريدك صاحب المجلس أن تنظر إليه، ولا تستقبله أو تواجهه، فيعين لك مكاناً فتجلس حيث تُؤمر، لأنه قد يكون في هذا المكان شيءٌ أو تطل على شيء من خصوصياته، فينبغي التقيد بالمكان الذي حدده صاحب البيت.

<<  <  ج: ص:  >  >>