للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التكلم بالعربية ما أمكن]

ومن آداب الحديث كذلك: أن يكون باللغة العربية للعرب المسلمين، فالعرب يتكلمون باللغة العربية، وفي هذا الزمان -مع الأسف- أمر قد خولف، وطغى الغزو الثقافي الكافر على عقول المسلمين، وأعجب أبناء المسلمين بالكفرة أيما إعجاب؛ حتى صاروا يتحدثون بلغتهم، ويتفاخر المسلم بحديثه بلغة الكفار لكي يعرِّف بأنه يعرف لغتهم وأنه يجيدها، ويخرج حروفهم على حسب المخارج الموجودة عندهم ويتقنها، ويتكلم الإنجليزية بطلاقة، فهذا صار -الآن- عندنا أمراً شائعاً ومنتشراً مع الأسف.

لا شك أن الله سبحانه وتعالى خلق البشر ولهم ألسنة مختلفة، قال الله عز وجل: {وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ} [الروم:٢٢]، والله عز وجل أرسل كل رسول بلسان قومه، ونحن مسلمون نتكلم اللغة العربية، ونبينا صلى الله عليه وسلم من العرب، والقرآن كلام الله عربي، فلماذا نتكلم بغير اللغة العربية في أحاديثنا وكلامنا ومناقشاتنا؟ وقد ذكر ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في كتابه العظيم اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم كلاماً في هذا الموضوع، وهو الكلام والمحادثة والتحدث بغير العربية، فقال: كره الإمام أحمد أسماء الشهور بالفارسية، قال شيخ الإسلام: ما قاله أحمد له وجهان: أولاً: إذا لم يعرف الاسم، فإنه قد يكون محرماً، كأن يكون الاسم معناه فيه شرك، وأنت تتكلم وتستعمل هذا الاسم، ويمكن أن يكون فيه شرك، وتعبيد لغير الله، مثل بعض أسماء الكفار: عبد المسيح، كأن عبد المسيح مترجمة مثلاً.

والسبب الثاني: كراهته أن يتعود الرجل النطق بغير العربية، فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله، واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون.

فإذاً اللغة العربية من الأشياء التي تميز هذه الأمة عن بقية الأمم، فلماذا نستخدم لغة غيرنا؟! ثم قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: وأما الخطاب بالأعجمية من غير حاجة في أسماء الناس والشهور فهو منهي عنه مع الجهل بالمعنى بلا ريب، أي: لو أنك لا تعرف المعنى فلا تتكلم؛ لأنه قد يكون شركاً أو كفراً، ولا تتكلم بلغة غير العربية في شيء لا تعرف معناه لأنه قد يكون شركاً أو كفراً؛ خصوصاً أسماء الأشهر، ولا تستعمل أسماء الكفار.

وقد أخذ -أي: الإمام أحمد رحمه الله- بحديث عمر رضي الله عنه الذي فيه النهي عن رطانتهم وعن شهود أعيادهم، وقد نهى عمر عن رطانة الأعاجم، فقد استدل بنهي عمر عن الرِطانة -أو الرَطانه- مطلقاً -هذا كلام ابن تيمية - وقال الشافعي فيما رواه السلفي بإسناد معروف إلى محمد بن عبد الله بن الحكم قال: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: سمى الله الطالبين من فضله في الشراء والبيع تجاراً، ولم تزل العرب تسميهم التجار، ثم سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما سمى الله به من التجارة بلسان العرب، والسماسرة -السمسار: كلمة أعجمية معناها: تاجر- اسم من أسماء العجم، فلا نحب أن يسمى رجل يعرف بالعربية تاجراً إلا تاجراً، ولا ينطق بالعربية فيسمي شيئاً بالأعجمية؛ وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب، فأنزل به كتابه العزيز، وجعله لسان خاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلم.

قال شيخ الإسلام: فقد كره الشافعي لمن يعرف العربية أن يسمي بغيرها.

ولذلك -الآن- هناك بعض الناس يسمون بأسماء أعاجم مثل: ميرفت وناريمان وشيرهان وشيرين ونيفين فهذه أسماء أعجمية، وكذلك يسمون بأسماء الكفار: أيسلندا، أوغندا، سوزان، دينا فصاروا يسمون بأسماء الكفار، وقد يكون الاسم معناه قبيحاً وفيه شرك أو كفر ويسمون به! قال شيخ الإسلام: فقد كره الشافعي لمن يعرف العربية أن يسمي بغيرها، وأن يتكلم بها خالطاً لها بالأعجمية.

إذاً فـ الشافعي يكره خلط اللغة العربية باللغة الأعجمية، وهذا الذي قاله الأئمة مأثور عن الصحابة والتابعين.

ثم ساق ابن تيمية آثاراً عن الصحابة والتابعين في قضية الكلام بالأعجمية، وقال عمر: [ما تكلم رجل بالفارسية إلا خب -أي: صار مخادعاً غشاشاً- ولا خب إلا نقصت مروءته]، وعن محمد بن سعد بن أبي وقاص: [أنه سمع قوماً يتكلمون بالفارسية فقال: ما بال المجوسية بعد الحنفية؟].

ونقل عن طائفة من السلف أنهم كانوا يتكلمون بالكلمة بعد الكلمة من الأعجمية.

وبعض الأحاديث فيها كلمات أعجمية (يا أم خالد! هذا سنا)، والسنا في لغة الحبشة: الحسن الجميل، ووردت كلمات حبشية في بعض الأحاديث وهي غير عربية.

قال شيخ الإسلام: وفي الجملة فالكلمة بعد الكلمة من الأعجمية أمرها قريب -أي: لو أن الواحد استعمل كلمة أعجمية في كلامه نادراً فهذه أمرها سهل- قال شيخ الإسلام: وفي الجملة فالكلمة بعد الكلمة من الأعجمية أمرها قريب، وأكثر من يفعلون ذلك إما لكون المخاطب أعجمياً -أي: إنما ورد عن بعض السلف أنهم استخدموا ألفاظاً أعجمية مع أن الكلام بالأعجمية مكروه ومنهي عنه، وقد تجد في كلام الإمام أحمد ألفاظاً أعجمية أحياناً وذلك لكون المخاطب أعجمياً، فهو يشرح الدين أو الحكم الفقهي لشخص أعجمي، أو قد اعتاد الأعجمية ويريدون تقريب الأفهام عليه وأن يفهموه بسرعة؛ فلذلك قد يستخدمون ألفاظاً أعجمية-.

إذاً تستخدم الألفاظ الأعجمية عند الحاجة، كما إذا كنت تكلم شخصاً أعجمياً، أو أن هذه الكلمة مما لا مقابل لها في العربية؛ لأن الذين اخترعوها سموها هكذا، مثل أسماء الأدوية: اسبرين، بنسلين وقد لا يوجد لها مقابل، وذلك بسببنا نحن؛ لأننا تخاذلنا وتراجعنا، وهذا الذي أدى بنا إلى أن نكون أتباعاً حتى في الأسماء، لكن إذا كان الشيء له اسم مقابل، مثلاً كلمة "باص" هذه كلمة أعجمية، مقابلها: حافلة، والبيجر يمكن يكون مقابلها: المنادي، لكن نحن تأتينا الأشياء والاختراعات بأسمائها، فنأخذها بأسمائها ولا نكلف أنفسنا حتى البحث عن المرادف العربي لهذه الكلمة، ولو عرفناها لصار مهجوراً.

لكن أقول: قد يعذر الإنسان باستخدام كلمات أعجمية إما لتفهيم أعجمي، أو لأن الكلمة ليس لها مقابل بالعربية، وإلا فاللغة العربية تستوعب

وسعت كتاب الله لفظاً وغايةً وما ضقت عن آي به وعظات

فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة وتنسيق أسماء لمخترعات

إن اللغة العربية أوسع اللغات، فتجد الشيء الواحد فيها له أكثر من اسم، فالأسد له أكثر من مائة اسم، أما في اللغة الإنجليزية تجد أن الكلمة الواحدة لها عدة معانٍ، وهذا ضعف، فعندما يكون الشيء له أكثر من كلمة فهذا يدل على ثراء اللغة، أما عندما تكون الكلمة الواحدة لها عدة معان، فهذا يدل على الاشتباه ويسبب إرباكاً للسامع.

على أية حال، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (يا أم خالد هذا سنا) باللغة الحبشية.

قال ابن تيمية -لو صار في الاستعمال شيء يسير كان لا بأس به-: أما اعتياد الخطاب بغير اللغة العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله -أن تصبح هذه اللغة الأجنبية الأعجمية شعاراً ولغة لمصر من أمصار المسلمين وتفرض عليه فرضاً فإن هذه مصيبة- أو لأهل الدار -أناس أهل بيت يتكلمون بالأعجمية- أو للرجل مع صاحبه، أو لأهل السوق -أي: أن أهل السوق كل لغتهم أعجمية- أو للأمراء، أو لأهل الديوان، أو لأهل الفقه -أي: إذا صار إلى هذا الحد- فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم؛ وهو مكروه كما تقدم، ولهذا كان المسلمون المتقدمون لما سكنوا أرض الشام ومصر ولغة أهلهما رومية، وأرض العراق وخراسان ولغة أهلهما فارسية، وأهل المغرب ولغة أهلها بربرية عودوا أهل هذه البلاد العربية -وهذا من فضل الصحابة، فلنعرف حق الصحابة، فالآن اللغة العربية هي لغة أهل الشام ومصر والذين علمهم إياها الصحابة، ونحن الآن نقتل اللغة العربية في بلاد المسلمين بإشاعتنا اللغات الأجنبية واعتمادها- عودوا أهل هذه البلاد العربية؛ حتى غلبت على أهل هذه الأمصار مسلمهم وكافرهم.

ثم قال: واعلم أن اعتياد اللغة يؤثر في العقل والخلق والدين تأثيراً قوياً بيناً، وأيضاً فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب.

كيف تفهم كلام الله؟ فلا يصلح أن تقرأ الفاتحة في الصلاة بالأعجمية -بالإنجليزية- وللعلماء كلام في قضية الإحرام بالأعجمية -أي: التلبية بالأعجمية والتسمية في الذبح بالأعجمية، فيجب حتى على الأعجمي أن يتعلم باسم الله عند الذبح، والتلبية باللغة العربية، وما يقيم به الصلاة باللغة العربية- أما أن يفسر القرآن أو معاني الأحاديث بالكلام العجمي فلا مانع، لكن إذا جاء يذبح لابد أن يقول: باسم الله، ولا يقول إلا هذه الكلمة، والمسألة فيها خلاف وفيها كلام، لكن القضية الآن هي أن العيب الكبير فشو هذه الكلمات بيننا وفي مجالسنا، وألفاظنا الدارجة صار فيها كثير من الكلمات العجمية مثل: هات القلص، وأكلنا جام، وحتى في الشركات وبعض الجامعات ترى شيئاً عجيباً تتقزز منه النفوس، وتصطك منه الأسماع، وهو يعرف المقابل، لكن لا أدري هل هو يريد أن يبين أنه عالم بلغة القوم، أو يرى أن الكلام نصفه بالعربية ونصفه بالإنجليزية يدل على تقدم ورقي وحضارة، مثل: ارجع إلى الكونتركت، انظر كم السلري، والمسألة فيها كونفيوجن لماذا هذا؟ وقد أخبرني أحد الإخوة أنه اتصل إلى غرفة من غرف الطلاب في الجامعة فقلت: أريد فلاناً من الغرفة كذا -هذا طالب عربي وال

<<  <  ج: ص:  >  >>