للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يوجد مسلم في هذا الوقت سنياً كان أو شيعياً أو زيديا أو إسماعيلياً أو وهابياً أو خارجياً يرى مذهب الجبر المحض ويعتقد سلب الاختيار من نفسه بالمرة بل كل هذه الطوائف المسلمة يعتقدون بأن لهم جزءاً اختيارياً في أعمالهم ويسمى بالكسب وهو مناط الثواب والعقاب عند جميعهم وأنهم محاسبون بما وهبهم الله تعالى من هذا الجزء الاختياري ومطالبون بامتثال جميع الأوامر الإلهية والنواهي الربانية وإن هذا النوع من الاختيار هو مدار الكتليف الشرعي وبه تتم الحكمة والعدل. نعم كان بين المسلمين طائفة تسمى بالجبري ذهبت على أن الإنسان مضطر في جميع أفعاله اضطراراً

لا يشوبه اختيار وزعمت أنه لا فرق بين أن يحرك الشخص فكه للأكل وبين أن يرتعد بشدة البرد. ومذهبه يعده المسلمون من منازع السفسطة الفاسدة وقد انقرض أرباب هذا المذهب في أواخر القرن الرابع من الهجرة ولم يبق لهم أثر وليس الاعتقاد بالقضاء والقدر هو عين الاعتقاد بالجبر ولا من مقتضياته ما ظنه أولئك الواهمون فإن الاعتقاد بالقضاء يؤيده الدليل القاطع بل ترشد إليه الفطرة ويسهل على من له فكران يلتفت إلى أن كل حادث له سبب يقارنه في الزمان وأنه لا يرى من سلسلة الأسباب إلا ما هو حاضر لديه ولا يعلم ماضيها إلا الله مبدع نظامها وإن لكل منها مدخلاً ظاهراً فيما بعده بتقدير العزيز العليم. وإرادة الإنسان إنما هي حلقة من حلقات تلك السلسلة وليست الإرادة إلا أثراً من آثار الإدراك والإدراك انفعال النفس بما يعرض على الحواس وشعورها بم أودع في الفطرة من الحاجات فلظواهر الكون من السلطة على الفكر والإرادة ما لا ينكره عاقب وإن مبدأ هذه

<<  <   >  >>