للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحديد الأجل والرزق وإن الأشياء بيد الله تعالى يصرفها كيف يشاء. فكيف يرهب الموت في الدفاع عن حقه وإعلاء كلمة ملته والقيام بما فرض الله عليه من ذلك من هذا اعتقاده وكيف يخشى الفقر مما ينفق في سبيل تعزيز الحق وتشييد المجد وتنفيذ الأوامر الإلهية. وقد امتدح الله المسلمين بهذا الاعتقاد مع بيان فضيلته بقوله. الذين قال لهم الناس أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم. وقد اندفع المسلمون في أول نشأتهم إلى الممالك والأقطار يفتحونها فأدهشوا العقول وحيروا الألباب عندما دوّخوا الدول وقهروا الأمم وامتدت سلطتهم من جبال بيريني الفاصلة بين أسبانيا وفرنسا إلى جدار الصين مع قلة عددهم وعُددهم وعدم تعودهم على الأهواء المختلفة وطبائع الأقطار المتباعدة وقد أرغموا الملوك والقياصرة والأكاسرة في مدة لا تتجاوز ثمانين سنة وهذا يعد من خوارق العادات وعظائم المعجزات. وما ارجفوا قلباً ولا أذلوا ملكاً ولا فتحوا بلداً غلا وقائدهم اعتقاد القضاء والقدر الذي ثبتت به أقدام هذه الجنود القليلة أمام جيوش لا عدد لها فكشفوهم عن مواقعهم وردوهم على أعقابهم وهو الذي حملهم على بذل أموالهم وأرواحهم في سبيل إعلاء كلمتهم وامتداد سلطتهم وسهل عليهم حمل أولادهم ونسائهم إلى ساحات القتال في أقصى بلاد العالم كأنهم سائرون إلى الجدائق والرياض وكأنهم أخذوا لأنفسهم بالتوكل على الله أماناً من كل غادرة وأحاطوها بحصن الاعتماد عليه من كل طارقة. وكان أولادهم ونساؤُهم يخدمون الجنود بلا رهبة

<<  <   >  >>