للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال: ((وهذا كلام موجَّهٌ قاله الآمدي [ثم قال:] وقد ردَّ الهنديُّ كلامَ الآمدي فقال: في قوله عليه الصلاة والسلام: {أرأيت لو تمضمضت بماء ثم مججته} تنبيه على الوصف المشترك بين المضمضة والقُبلة، وهو عدم حصول المقصود منهما، وذلك صالح للعلية، وإن لم يكن مناسبا لعدم اشتراط المناسبة في الوصف المومئ إليه [ثم قال التاج السبكي رادا على الهندي]: وعندي في هذا نظر، فإنّ هذا لو تَمَّ لَزِم أن يحال عدم الإفطار على [عدم] (١) وجود القُبلة والمضمضة، وليس كذلك؛ بل إنما هو محال على عدم المفطر من جماع وغيره)) (٢).

ثالثاً: بيان ردوده رأسا:

وهذا منهج ثالث اتبعه التاج السبكي في بيان ردوده ومناقشاته، حيث كان يَستقلُّ بإيراد هذه المناقشات دون نقل لها عن غيره كما فعل في المنهج السابق، ومن الشواهد الدالة على ذلك:

١ - قوله معقّبا على قول الآمدي والهندي أن دلالة التنبيه والإيماء على العلية بطريق الالتزام (٣) قال: ((هذا الذي قالاه فيه نظر سنذكره ... [ثم قال:] والحق عندي في هذا أن يُقالَ ترتيبُ الحكم على الوصف يُفيد العلِّية بوضع اللغة، ولم تَضَع العربُ ذلك دالا على مدلوله بالقطع والصراحة بل بالإيماء والتنبيه، ولا بِدَعَ في مثل هذا الوضع ... وإذا وَضُحَ هذا عَلِمتَ أنَّ دلالته ليست التزامية كما زَعم الآمدي والهندي)) (٤).

٢ - وقوله في شرح قول ابن الحاجب في إفادة خبر الآحاد العلم: ((وقيل وبغير قرينة)) (٥).

قال التاج السبكي: ((أي: قد يحصلُ العلمُ بخبر العدل وإن لم يكن ثَمَّ قرينة، ولكنَّ هذا لا يطَّرد، بل يكون في وقتٍ دون وقتٍ ما، ونقله الآمديُّ عن بعض أصحاب الحديث (٦) [ثم عقَّبَ التاج السبكي قائلا:] وهو ساقط؛ فإنَّ ذلك الوقت الذي يحصلُ فيه العلم إما أن يكونَ فيه زيادةٌ على الوقت الذي لم تحصل فيه، فالزيادة قرينة، فلا وجه لقوله: بغير قرينة، أو لا يكون فيه زيادة، فيكون ترجيحاً من غير مرجح، وإنه محال)) (٧).

رابعاً: إيراده للأسئلة المقدرة والمفترضة والإجابة عليها:

لم يكن التاج السبكي يكتفي برد الاعتراضات أو توجيه الاعتراضات الصحيحة فقط والتي وجِّهت فعلاً إلى الأقوال أو الأدلة، بل كان يقدِّرُ اعتراضات وأسئلة ويجيب عليها، وهذا المنهج قد اتبعه التاج السبكي في كثير من المباحث وخاصة في كتابه ((الإبهاج))، ويتمثَّل هذا الأسلوب بعبارات (فإن قلتَ، قلتُ) أي: إن قدَّرت سؤالاً أو اعتراضاً فجوابه كما يأتي.

ومن الشواهد الدالة على اتباعه هذا الأسلوب:-


(١) هكذا هو الصواب، وقد وردت في الأصل بحذف كلمة [عدم] وهو خطأ إذ لا يستقيم المعنى إلا بوجود لفظة [عدم]
(٢) التاج السبكي، رفع الحاجب (٤/ ٣٢١ - ٣٢٢)
(٣) انظر: الآمدي، الإحكام (٣/ ٢٢٤)، التاج السبكي، الإبهاج (٣/ ٤٥)
(٤) المصدر السابق (٣/ ٤٥ - ٤٧) بتصرف
(٥) ابن الحاجب، مختصر المنتهى (٣/ ٣١٠)
(٦) نص عبارة الآمدي في الإحكام:" ومنهم من قال أنه يفيد العلم اليقيني من غير قرينة ... ، ومنهم من قال إنما يوجد ذلك في بعض أخبار الآحاد لا في الكل، وإليه ذهب بعض أصحاب الحديث." انظر الإحكام (٢/ ٢٧٤)
(٧) التاج السبكي، رفع الحاجب (٢/ ٣١٠)

<<  <   >  >>