للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: وليس هذا نصُّ الآمدي وإنما هو مضمون كلامه، حيث لم ينقل التاج السبكي نصَّ عبارة الآمدي وإنما نقل مضمونها والمقصود منها فقط فقد قال الآمدي في ((الإحكام)): ((وأما إن كان تخلُّف الحكم عنها لا بطريق الاستثناء فلا يخلو أما أن تكون العلة منصوصة أو مستنبطة)) (١) [ثم تكلَّم على تفاصيلها وبين أنه إن لم يمكن تأويل النص لا يكون قادحا] ثم قال: ((وإن كانت العلة مستنبطة فتخلف الحكم عنها إما أن يكون لمانع أو فوات شرط أو لا يكون ... فإن كان الأول ... فلا يكون ذلك مبطلا للعلية ... )) (٢)

وبهذا ترى أنَّ التاج السبكي لم يتقيَّد بعبارة الآمدي بحرفيَّتها بل أخذ مضمونها ودوَّنه في كتابه، وهذا شأن المختصرات غالب مؤلفيها لا ينقلون فيها أقوالاً كثيرة بحرفيَّتها بل يضعون فيها خلاصة الأقوال ومضامينها دون نصوصها.

ثانياً: النقل غير المباشر [عن غير القائل الأصلي]:

الأصل في النقل أن يكون عن المصادر الأصلية، وعن القائل الأصلي ومن المآخذ التي يقع فيها بعض المؤلفين والمصنِّفين هو أنهم لا يلتزمون النقلَ عن المصادر الأصلية، بل ينقلون الأقوال عن غير قائليها ومن غير مصنفاتهم.

وهذا يُعدُّ نقصاً في البحث إلا إذا دَعَت ضرورةٌ لذلك كأن لم يوجد المصدر الأصلي لكونه مفقودا أو مخطوطا لا يعلم مكان وجوده أو لأسباب أخرى قد تدعو الباحث إلى ذلك.

والتاج السبكي كان لا يأخذ النقل إلا من المصدر الأصلي ولا ينسبه إلا لقائله، غير أنه في بعض الأحيان قد وقع في عملية النقل عن غير المصادر الأصلية، وأحيانا كنت أجده مع نقله عن هذه المصادر إلا أنه يرجع ويؤكد عدم رؤية هذا النقل في المصدر المنقول عنه.

وإليك أمثلة تدل على ذلك: -

١ - لقد بيَّن لنا التاجُ السبكي منهجه في النقل عن القاضي الباقلاني ونسبةِ الأقوال له، فالتاج السبكي كان مطَّلعاً على كتاب ((التقريب والإرشاد)) للباقلاني، كما أنه كان مطلعا على ((مختصر التقريب والإرشاد)) لإمام الحرمين الذي سماه بـ ((التلخيص))، وأحياناً كنتُ أجده ينسبُ القولَ إلى ((التلخيص)) وأخرى إلى ((مختصر التقريب)) وقد بيَّن التاج السبب في ذلك بقوله: ((واعلم أنّ هذا الكتاب قد أكثرنا النقل عنه في هذا الشرح [أي ألإبهاج]، وهو كتابُ ((التلخيص)) لإمام الحرمين، اختصره من كتاب ((التقريب والإرشاد)) للقاضي، فلذلك أعزو النقلَ تارةً إلى ((التلخيص)) لإمام الحرمين، وذلك حيث يظهرُ لي أنّ الكلامَ من إمام الحرمين؛ فإنّه زاد من قَبِل نفسه أشياءَ على طريقة المتقدمين في الاختصار، وتارةً أعزوه إلى ((مختصر التقريب)) وهو حيث لا يَظْهر لي ذلك.)) (٣)


(١) الآمدي، الإحكام (٣/ ١٩٥)
(٢) الآمدي، الإحكام (٣/ ١٩٥ - ١٩٦)
(٣) التاج السبكي، الإبهاج (٢/ ١٠٩)

<<  <   >  >>