للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن ذلك قوله في بيان أن الوجوب مستفاد من وضع اللغة أم لا قال: ((وهو بعيد وممن ذكره الشيخ أبو اسحق والقاضي أبو بكر في ((مختصر التقريب)) لإمام الحرمين وقال: إن الأكثرين من القائلين بأن الصيغة تقتضي الوجوب عليه، وأنه كذلك بأصل الوضع، لأنه قد ثبت في إطلاق أهل اللغة تسمية من خالف مطلق الأمر عاصيا ... (١))) (٢)

فأنت ترى هنا أن التاج السبكي قد نقل مقالة القاضي أبي بكر من كتاب ((مختصر التقريب)) لإمام الحرمين، ولم ينقله من ((التقريب والإرشاد)) نفسه، وقد علمت منهجه في نسبته القول إلى ((مختصر التقريب)) أو إلى ((التلخيص)).

٢ - من المواضع التي نقل فيها عن غير القائل الأصلي مع توفر المصدر الأصلي عنده قوله في مبحث النهي هل يقتضي التكرار أم لا، بعد ذكره قول الآمدي: اتفاق العقلاء على أن النهي يقتضي الانتهاء عن المنهي عنه قال: ((وزعمَ ابن برهان كما نقله عنه الأصفهاني انعقاد الإجماع عليه.)) (٣)

ففي هذا المثال نقلَ التاج السبكي مقالة ابن برهان من الأصفهاني، مع العلم بأنّ التاج السبكي كان مطلعا على ((الوجيز)) لابن برهان، وقد نقل عنه غير مرة في هذا الشرح.

٣ - ومنها قوله في بيان مسألة الزيادة على النص هل هي نسخ أم لا حيث نقل قول القاضي عبد الجبار فقال: ((وقال القاضي عبد الجبار: إن كانت الزيادة قد غيَّرت المزيدَ عليه تغييرا شرعيا بحيث صار المزيد عليه لو فُعلَ بعد الزيادة كما كان يُفعلُ قبلها كان وجوده كعدمه، ووجب استئنافه كزيادة ركعة على ركعتي الفجر، كان ذلك نسخاً أو كان قد خُيِّر بين فعلين، فزيد فعل ثالث، فإنه يكون نسخا، فتحريم ترك الفعلين السابقين وإلا فلا، كزيادة التغريب على الجلد، وزيادة عشرين جلدة على حد القاذف، وزيادة شرط منفصل في شرائط الصلاة كاشتراط الوضوء [ثم قال]: هذا مذهبه ذكرناه بعبارة الآمدي (٤) من نسخةٍ صحيحة مقروءة على الآمدي، وعليها خطه.)) (٥)

فأنت ترى هنا أن التاج السبكي قد نقل مقالة القاضي عبد الجبار بعبارة الآمدي، ولم ينقلها من مصدر عبد الجبار نفسه مع العلم بوجود كتابه ((العمد)) وتوفره بين يدي التاج السبكي والله تعالى أعلم.

ثالثاً: توجيه كلام العلماء وحمله على محمل حسن:

لم يكن التاج السبكي مُغرماً بتضعيف الأقوال وبيان سقوطها، بل كان رحمه الله تعالى، لا يألُ جهداً في تأويل كلام العلماء ومحاولة حمله على محمل حسن لا طعن فيه، وكان يحاول التوفيق بين النقول المتعارضة، ويوجِّه أقوالَ العلماء توجيهاً صحيحاً لا غبار ولا اعتراض عليه (٦)، ومن الشواهد الدالة على ذلك: -


(١) انظر الجويني، التلخيص (١/ ٢٦٩)
(٢) التاج السبكي، الإبهاج (٢/ ٢٥)
(٣) المصدر السابق (٢/ ٦٨)
(٤) انظر: الآمدي، الإحكام (٣/ ١٥٥)
(٥) التاج السبكي، رفع الحاجب (٤/ ١٢١)
(٦) قلت وهذا لا يتعارض مع ما قررته سابقا من أن التاج السبكي كان يناقش العلماء ويرد عليهم ويعيب على من يتمحل في تأويل كلامهم، وذلك لأن مراده هناك التأويل البعيد الذي لا يستقيم ولا يصح، أما هنا فمراده التأويل الذي يرتضيه العلماء بلا تمحل ولا تعسف الذي هو من باب حسن الظن والله تعالى أعلم

<<  <   >  >>