للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أولاً: الإمام الشافعي:

كما ذكرت غير مرَّة فإن التاج السبكي كان يدين الله تعالى على مذهب الإمام الشافعي، فهو شافعي جَلْد، ومن أكثر الناس حُبَّاً للشافعي وإجلالاً وتعظيماً له، وكان يَرى أنَّ الإمام الشافعي هو أفضل الأئمة وأنَّ مذهبه هو المذهب الذي ينبغي على كل أحد أن ينتحله ويقول في ذلك في كلام طويل أنقل لك أكثره: ((إن قصر نظر بعض المصنفين (١) عن فهم مراتب المجتهدين فلا عليه لو اقتدى بقوله صلى الله عليه وسلم: {الأئمة من قريش} (٢)، وقوله صلى الله عليه وسلم: {قدموا قريشاً ولا تذموها} (٣)، ولم يكن أحد من أصحاب المذاهب معزياً إلى صليبة قريش بالمسلك الواضح إلا الشافعي، ولا خلاف في اختصاصه بذلك، وأنه المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: {عالم قريش يملأ طباق الأرض علما} (٤) لأنه الذي طبَّق طباق الأرض، وتخلَّق بالطيب، ورد ليلها المسود، وجبين نهارها المبيض، وصار اسمه في مشارقها ومغاربها، وعلا على أنجم السماء طوالعها وغواربها.

وقد قام إمام الحرمين مناديا بما لَوَّحَ به جماعةٌ من الأصحاب من وجوب تقليد الشافعي في كتابه: الترجيح بين المذهبين (٥) أنه يدعي أنه يجب على كافة المسلمين وعامة المؤمنين شرقا وغربا بُعداً وقُرباً انتحالَ مذهب الشافعي، وبحيث لا يبغون عنه حولا ولا يريدون به بدلا، والذي نقوله نحن [أي التاج السبكي] إن كتابنا هذا شارح لمختصر أصول لا نرى أن نخرج عنه إلى ما لا يتعلق به من الترجيح بين المذاهب، ولكن الذي نفوه به هو أنه يتعين على المقلد النظر بعين التعظيم إلى قدوته، والإيماء بطرف التقديم نحو إمامه، ونحن نراعي ذلك في حق إمامنا رضوان الله عليه ونقول بجمع الكلام فيما نحاوله أمور ثلاثة)) ثم ذكرها بتفصيل ومنها أنه لا يرى أنّ أحداً قد بلغ رتبة الاجتهاد المطلق بعد الشافعي حيث قال: ((ولكنّا لسنا نرى أحداً من الأئمة بعد بلغ هذا المحل، كذا أجاب إمام الحرمين، وتغالى غيره وقال: لم يبلغ أحدٌ بعد الشافعي منصب الاجتهاد المطلق فضلا عن الوصول إلى ما وصل إليه الشافعي.))

وبعد ذلك ذكر [التاج السبكي] منزلة الإمام الشافعي في الأصول فقال: ((ولا يخفى على الساري في الظُّلَم رُجحانَ نظر الشافعي في الأصول التي هي أهمُّ ما ينبغي للمجتهد، وأنه أوَّلُ من أبدعَ ترتيبها ومهَّد قوانينها، وألَّف فيها رسالته، ولم لا يكون ذلك وأعظمُ ما يُستمدُّ منه أصول الفقه، اللغة، والشافعي كان من صميم العرب العرباء ممن تفقأت عينه بيضة بني مضر.))


(١) هكذا وردت في الأصل ولا أرى لها وجها، وقد وجدتها في البرهان الذي هذا الكلام مستمد منه المستفتين وهو أوجه والله أعلم. أنظر: البرهان (٢/ ١٧٩)
(٢) مضى تخريجه ص ١٨٨
(٣) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد (١٠/ ٢٥) وقال رجاله رجال الصحيح
(٤) رواه الطيالسي في مسنده (١/ ٩٣) وابن أبي عاصم في السنة (٢/ ٦٣٨)
(٥) أي كتاب الترجيح بين المذهبين وهو في كتابه البرهان، أنظر: الجويني، البرهان (٢/ ١٧٧ - ١٨١)

<<  <   >  >>