للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال التاج السبكي مقرِّرا لذلك أيضا: ((إني اعتبرتُ أقوالَ غير المقلدين لواحدٍ من الأربعة في الأربعة: فوجدت الكل مطبقين على أنه إن كان تقليدٌ لأحد فليكن للشافعي، وهم مجمعون على أنه متوسط بين الرأي والأثر، آخذٌ بمجامع الأمرين، من غير إفراط ولا تفريط في واحد من الجانبين، ... وعلى ذلك جميع المحدثين إلا من شذ ممن لا يُعبأُ به من متأخري حنابلتهم، ثم وجدت طوائف الأئمة الثلاثة الحنفية والمالكية والحنابلة، متفقين على أنّه إن كان تقليدٌ لغير أئمتهم فليكن الشافعي ... فلا تجد حنفياً إلا ويقول: إن كان لا بدَّ من الخروج عن مذهب أبي حنيفة فليكن الشافعي، كذلك المالكي، وكذلك الحنبلي.)) (١)

إذا عرفت ذلك فاعلم أنّ الإمام تاج الدين السبكي قد تأثر بالشافعي كثيراً في كتاباته الأصولية ويظهر ذلك من خلال ما يأتي:-

١ - كثرة النقول التي يصرح بها باسمه والتي يأتي بها التاج السبكي ليشرح بها ويؤكد المسائل الأصولية المطروحة، وقد بلغ عدد النقول التي أحصيتها عن الشافعي في كتابات التاج السبكي موضع الدراسة حوالي مئتين وثلاثة وتسعين موضعا (٢٩٣).

٢ - اعلم أني لم أطلع على أيَّةِ مسألةٍ أصولية أو غير أصولية قد خالفَ فيها التاج السبكي الشافعي مخالفةً صريحة، بل حتى ولا ضمنية، لذا سوف تجد أن التاج السبكي في كتاباته دائما وأبدا ما يوافق الشافعي في ما يذهب إليه، وأحيانا كنت أراه يؤول كلام الشافعي ليتناسب مع ما اختاره التاج ولم يكن للشافعي فيه كلاما صريحا، ومن ذلك قوله في بيان أن صيغة الأمر لا تقتضي لذاتها الوجوب بل الوجوب مأخوذ من خارجها: ((وهذا الذي اختاره الشيخ أبو حامد وإمام الحرمين هو المختار عندنا، فإن الوعيد لا يُستفادُ من اللفظ، بل هو أمرٌ خارجي عنه، ولكنا نقول: المنقول عن الشافعي أن الصيغة تقتضي الوجوب، ومراده الصيغة الواردة في الشرع؛ إذ لا غرض له في الكلام في شيء غيرها، ولم يصرِّح الشافعي بأن مقتضاها للوجوب مستفاد منها، فلعلَّه يرتضي هذا التركيب ويقول به، ويكون ما ذهب إليه الشيخ أبو حامد وإمام الحرمين هو الذي ذهب إليه إمامهما.)) (٢)

ففي هذا المثال ترى كيف أنَ التاجَ السبكي قد حاول فهمَ كلام الشافعي بناءً على ما رجَّحه في صيغة الأمر وذلك خوفا من مخالفته في ذلك.

٣ - الدفاع عن الإمام الشافعي وتأويلُ كلامه وحمله على محمل حسن: حيث كان التاج السبكي يحاول جهده في تقرير كلام الشافعي بحيث لا يعترض عليه أحد، بل لقد وجدته يوجِّه النقدَ اللاذع والمرَّ لكل من يتجَّرأُ ويخالف الشافعي ويَردُّ عليه، ومن الشواهد الدالة على ذلك: -


(١) التاج السبكي، منع الموانع ص ٤٤٩
(٢) التاج السبكي، الإبهاج (٢/ ٢٥)

<<  <   >  >>