للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله في بيان أن الهم وحديث النفس لا يؤاخذ به إلا إذا اتصل به عمل فإنه يؤاخذ على الأمرين الهم والعمل: ((قال الشيخ [أي تقي الدين السبكي] في ((شرح المنهاج)) [أي منهاج النووي] في كتاب إحياء الموات: أنه ظهر له المؤاخذة من إطلاق النبي صلى الله عليه وسلم العمل، ... وكونه لم يقل أو يعمله، قال: فيؤخذ منه تحريم المشي إلى معصية، وإن كان المشي في نفسه مباحا لكن صار حراما، لانضمام قصد الحرام إليه، فكل واحد من المشي والقصد لا يحرم عند انفراده، أما إذا اجتمعا فإن كان مع الهم عملاً لما هو من أسباب المهموم به، فاقتضى إطلاق أو يعمل المؤاخذة به، كذا ذكر في ((شرح المنهاج)) ثم قال: فاشدد بهذه الفائدة يديك، واتخذها أصلا يعود نفعه عليك.

وذكر [أي التقي السبكي] في كتاب ((الحلبيات)): أن قوله صلى الله عليه وسلم: '' أو يعمل '' ليس له مفهوم حتى يقال: إنها إذا تكلمت أو عملت، يكتب عليها حديث النفس لأنه إذا كان الهم لا يكتب فحديث النفس أولى. [قال التاج السبكي معقبا على كلام والد]: وهذا خلاف ظاهر الحديث، وخلاف ما ذكرناه في ((جمع الجوامع)) ويلزم أن لا يؤاخذ عند انضمام عمل من مقدمات المهموم به بطريق أولى، لآنا إذا لم نؤاخذه بحديث النفس وإن انضم إليه عمل المهموم به، فلأنْ لا نؤاخذه وما انضم إليه إلا مقدمة من مقدماته أولى وأحرى.

[ثم قال التاج السبكي] وقد يقول الشيخ الإمام: أنا لا أؤاخذه بحديث النفس رأسا، إنما أؤاخذه بالعمل سواء أكان عملا لمقدمة من مقدمات المهموم به أو للمهموم به نفسه.

[قال التاج السبكي] ولكنا نقول له: تلك المقدمة لم تكن معصية لولا حديث النفس كما ذكرت، فلا نقطع النظر عنها، فالأرجح عندي المؤاخذة بحديث النفس عند انضمام العمل بالمهموم به نفسه.

وقول الشيخ الإمام: إذا كان الهم لا يكتب فحديث النفس أولى، ممنوع: فلسنا نسلم له أن الهم لا يكتب له مطلقا وإنما لا يكتب عند عدم انضمام العمل إليه. وأما ما ذكره في شرح ((المنهاج)) من المؤاخذة بالمقدمة إذا انضمت إلى حديث النفس لإطلاق قوله عليه الصلاة والسلام أو يعمل، فحسن، لو لم يقيد في حديث آخر، لكن جاء في رواية أخرى في الصحيحين '' أو يعمل به ''، ويظهر عندي أن يقال إن رجع عن عمل السيئة بعد فعل مقدمتها لله تعالى لم يؤاخذ بما فعله لما في صحيح مسلم: {قالت الملائكة ربِّ ذلك عبدك يريد أن يعمل سيئة - وهو أبصر به - فقال: أرقبوه، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها، وإن تركها فاكتبوها حسنة، إنما تركها من جراي} (١) أي: من أجلي، وفي لفظ رواية أبي حاتم: {وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة}

[ثم قال التاج السبكي]: دل الحديثان، والثاني منهما صريح على أن الترك لله يوجب كتب المعصية المهموم بفعلها حسنة، فما ظنك بمقدمتها؟!

[ثم قال التاج السبكي]: وقد يقول الشيخ الإمام: المقدمة قد عملت، ولا كذلك نفس المعصية المقصودة.

[ثم أجاب عن ذلك بقوله]: أن المقدمة لم تُعمل لنفسها بل للوسيلة وهي بنفسها غير حرام.


(١) رواه مسلم، كتاب الإيمان، باب تجاوز الله عن حديث النفس (٢/ ٣٣١) حديث رقم ٣٣٣

<<  <   >  >>