للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد كان عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون (١) في ولايته الثالثة ٧٠٩ - ٧٤١هـ (٢) هو آخر عهد بالاستقرار السياسي في دولة المماليك، فبعد وفاته تولى السلطنة ثمانيةٌ من أولاده في السنوات ٧٤١هـ - ٧٦٢هـ، ومن ثَمَّ في العشرين سنة التالية ٧٦٢ - ٧٨٤هـ، تولى السلطنة أربعةٌ من أحفاده (٣)، ومعلوم أنّ هذا العدد من السلاطين دليل على عدم الاستقرار السياسي.

وقد مرّ على هذه الفترة العديدُ من الأحداث الداخلية، إذ تقلَّد حكم مصرَ سلاطين ... أطفال (٤)، لم يبلغوا سن الاحتلام، كانوا يُوَلَّون ويُعْزَلون طبقاً لأهواء أمراء المماليك الذين كان لهم النفوذ الأقوى في ذلك الوقت.

وخير ما يصوِّر ذلك الوضع ما قاله أحد شعراء ذلك العصر (٥):

سلطانُنا اليومَ طفلٌ والأكابرُ في ... خُلْف بينهُم والشيطانُ قد نَزَغا

فكيفَ يَطمَعُ من في نفسْهِ مَظْلمة ... أن يَبْلُغَ في السّؤْلِ والسلطانُ ما بَلَغا؟!

ولم يكن للسلاطين في ذلك الوقت إلا مجرَّد الاسم فقط، وليس لهم من الأمر شيء؛ ذلك لصغر سِنِّهم، وضعف حيلتهم، فكان السلطان آلة في السلطنة والمتصرّف الحقيقي فيها هم الأمراء (٦).

وهكذا ظل حال هؤلاء السلاطين أُلعوبة في أيدي الأمراء، وإذا ما حاول أحدهم التَمرّدَ عليهم أو التخلص من نفوذهم كانوا لا يتوَرّعون عن عزله وقتله أحياناً، فقد قُتِل أربعةٌ من السلاطين أبناء قلاوون على أيدي أمراء مماليكهم (٧).

وأما بقية السلاطين فقلّما تجد واحداً منهم ترك الحكم بنتيجة طبيعية كالوفاة مثلاً، بل كانوا يُعزلون ويُولَّون تَبعاً لرغبات وأهواء الأمراء، دون النظر إلى أدنى مصلحة للبلاد أو العباد.


(١) هو السلطان ناصر الدين أبو المعالي محمد بن السلطان الملك المنصور سيف الدين أبي المظفر قلاوون الصالحي، كان ملكا جليلا مهيبا ذكيا عارفا بسياسة الملك عالي الهمة، تولى السلطنة ثلاث مرات وكانت مدته فيهن ثلاثاً وأربعين سنة وشهوراً، توفي سنة ٧٤١هـ، ابن حبيب، تذكرة النبيه (٢/ ٣٢٦)
(٢) ابن حبيب، تذكرة النبيه (٢/ ٢١)
(٣) محمود شاكر، التاريخ الإسلامي (٧/ ٣٨)
(٤) ومن هؤلاء السلاطين الملك الأشرف علاء الدين كجك بن السلطان محمد بن قلاوون وقد تولى السلطنة وعمره لم يتجاوز الخمس سنوات سنة ٧٤٢هـ، والملك الناصر حسن بن السلطان محمد بن قلاوون تولى السلطنة سنة ٧٥٢هـ ولم يتجاوز عمره ١١ سنة، والملك المنصور محمد حاجي حيث تولى السلطنة سنة ٧٦٢هـ وكان عمره حينئذ ١٤ سنة.
(٥) أورد هذه الأبيات ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة (١١/ ٢٠) ولم ينسبها لأحد
(٦) ابن تغري بردي، النجوم الزاهرة (١٠/ ٢٠، ٤٠)
(٧) وهم:
- ... السلطان الكامل شعبان حيث قتل سنة ٧٤٧هـ بعد أن حكم سنة وشهر وثمانية وعشرين يوماً
- ... السلطان الملك المظفر حاجي حيث قتل سنة ٧٤٨هـ بعد أن حكم سنة وثلاثة أشهر وأربعة عشر يوماً
- ... السلطان الناصر حسن، قتل في ولايته الثانية سنة٧٦٢هـ على يد أحد خواصه وأمرائه الأمير سيف الدين يلبغا الخاصكي، بعد أن حكم ست سنوات وسبعة أشهر وسبعة أيام
- ... السلطان الأشرف شعبان بن حسن، قتل سنة ٧٧٨هـ بعد أن حكم ست سنوات

<<  <   >  >>