للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن الشواهد الدالة على ذلك: قوله مستدركاً على ابن الحاجب في مسالك العلّة بعد ذكر ابن الحاجب مراتب النص الدال على العلّة: ((وأهمل المصنف ذكر ((إن)) وهي أيضاً للتعليل، نحو: {إنّك إن تذرهم يضلوا عبادك} (١)، وقوله عليه الصلاة السلام: {الثلث والثلث كثير، إنّك إن تذر ورثتك أغنياء خير. . .} (٢) الحديث.)) (٣)

ومنها مناقشته لابن الحاجب في كون البسملة من القرآن أو لا؛ فبعد ذكره كلام ابن الحاجب في ذلك عقب عليه قائلا: ((وهذا ما يتعلَّق بالأصول، ثمّ دخل المصنِّف في ما لا يعنيه وألقى بنفسه في لُجَّة لا تُنْجيه؛ فأخذ يتعصَّب لقومه، ويُقيم على أنّ البسملة ليست من القرآن دليلاً بزعمه، فورَّط نفسه في عظيم، وفوَّت نحوها سهامَ راسفين يبلغون الصَّميم.)) (٤)

ثم أخذ يناقش ابن الحاجب فيما ادّعاه، وانتهى إلى أنّ الحقَّ في جانب الإمام الشافعي رضي الله عنه، هذا وقد أخذت هذه المناقشة ثمان صفحات سطَّرها التاج السبكي في كتابه هذا (٥).

وكان من الطبيعيِّ جدّاً أن يُكثر التاج السبكي من هذه المناقشات، وذلك لأنّ التاج السبكي يخالف ابن الحاجب في أمرين كانا السبب الرئيسي في هذه المناقشات:

الأمر الأول: مخالفة التاج السبكي لابن الحاجب في المدرسة الأصولية، فالتاج السبكي كما بيّنت مُنتَمٍ إلى مدرسة الإمام الرازي، في حين أنّ ابن الحاجب سائر على طريقة الإمام الآمدي ومعلوم ما بين هاتين المدرستين من فروقات واختلافات.

الأمر الثاني: مخالفة التاج السبكي لابن الحاجب في الاتجاه الفقهي الفروعي فالتاج شافعي المذهب في حين كان ابن الحاجب مالكيا.

وبالرغم من مخالفة التاج السبكي لابن الحاجب في كثير من المسائل وتوجيهه النقد اللاذع له في ذلك، إلا أنّه كان يُجلُّ ابن الحاجب كثيراً ويعرفُ له قَدْره ويَرْفعه إلى أعلى المنازل فهو يَصِفه في ((منع الموانع)) بقوله: ((وقد كان ابن الحاجب رحمه الله إماماً مقدماً في الأصول والفقه، والنحو ... والتصريف، أمسكته البلاغة زمامها، وألقت إليه الفصاحة مقاليدها، وأعطاه الإيجاز كله، ومن بحر علمه اغترفنا، وبكثير علمه اعترفنا، فلا يُظننَّ أنّا أردنا في هذا الكتاب (٦) مطاولته، فأين الثُّريَّا من يد المتطاول، وإنّما أردنا الاقتداء به، والسير على سُننه رحمه الله ورضي عنه، ما أكثرَ فائدته، وأجزلَ عائدته.)) (٧)

٧ - تحرير مواضع النزاع: التاج السبكي وكعادته في شروحه يهتمّ كثيراً بتحرير محل النزاع في المسائل المختلف فيها، وذلك بذكر مواضع الاتفاق وبيان نقطة الخلاف، وقد أكثر في ((رفع الحاجب)) من بيان هذه المواضع.


(١) سورة نوح آية ٢٧
(٢) رواه البخاري في كتاب الجنائز باب رثاء النبي سعد برقم ١٢١٣، ومسلم في كتاب الوصية باب الوصية بالثلث حديث رقم ٤١٨٥
(٣) التاج السبكي، رفع الحاجب (٤/ ٣١٥)
(٤) التاج السبكي، رفع الحاجب (٢/ ٨٤)
(٥) انظر التاج السبكي، رفع الحاجب (٢/ ٨٤ – ٩١)
(٦) يقصد كتابه جمع الجوامع
(٧) التاج السبكي، منع الموانع ص ١٢٦

<<  <   >  >>