للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبالنسبة للفروع الفقهية فإنّ صدر الشريعة كان يكثر من ذكر هذه الفروع مستدلا بها على القاعدة الأصولية، بل لقد وجدته يسهب في شرح وبيان هذه الفروع مبيّناً ما فيها من اختلافات بين علماء مذهبه، وكيفية انطباقها على القاعدة الأصولية، بحيث يعدّ كتابه غزيراً بالمسائل الفقهية، وهذا أقرب إلى طريقة الحنفية، انظر على سبيل المثال الصفحات (١٨١ - ٢٥٣) فلا تكاد تخلو صفحة من بيان هذه الفروع.

رابعها: وأما بالنسبة لنسق كتابه: فأقول:

أولاً: إنّ التاج السبكي ملتزم بالإطار العام لنسق المتكلمين، وإنّما الخلاف فقط في ترتيب المسائل ... وتقديم بعضها على بعض، وهذا يعود إلى نظر كل مؤلِّف الخاص وطريقته في التأليف وبحسب ما يراه مقدماً في الأهمية، وغيرها من الظروف التي تمليها حالة التأليف.

فالتاج السبكي مقارنة ((بمنهاج البيضاوي)) تجد أنّ كلاً منهما افتتح كتابه بعد تعريف أصول الفقه، بمباحث الحكم، ومن ثمّ مباحث الكتاب وما يتعلَّق بالألفاظ من الوضع والاشتقاق والحقيقة والمجاز. . .، وبعدها ذَكَر مباحث السنة وما فيها من أبحاث، ومن ثمّ الإجماع ومباحثه، فالقياس ... والأدلة الأخرى منها ما هو مقبول ومنها ما هو مردود، إلا أنّ البيضاوي قد ذكر أولا الأدلة المقبولة في باب خاص، ومن ثمّ المردودة منها في باب آخر، بخلاف التاج السبكي، فقد ذكر كلا النوعين تحت باب الاستدلال، وبعدها ذكر باب التعادل والتراجيح وأخيراً الاجتهاد والتقليد.

والتاج السبكي قد التزم بذلك كله، وذكر أغلب مسائل ((المنهاج))، وخالفه فقط في ترتيب المسائل وتقديم بعضها على الآخر داخل الباب الواحد.

وأما أسلوبه فبالمقارنة بين أسلوب التاج السبكي وأسلوب المتكلمين؛ تجد أنّ التاج السبكي يتكلم بنفَسِ المتكلمين، وأستطيع القول أنّ أغلب عبارات التاج السبكي في ((جمع الجوامع)) هي: إما ذاتها عبارات البيضاوي وابن الحاجب، وإما أنّه قد غير فيها لفظة أو زاد عليها قيداً أو أنقص مثل ذلك (١).

وبعد: فإنّي أقول: إنّ هذه الدعوى لا تسلم من الانتقاد، ولا تخلو من الاعتراض؛ ومع ذلك فإنّي أزعم أنّ هذه القضية لا زالت بحاجة إلى دراسة خاصة ومستفيضة، تُدرس فيها معالم الطريقة الجامعة، وتُدرس مؤلفاتها كل مؤلف على حدة مع بيان منهجها في ذلك، ومن ثمّ يُدرس ((جمع الجوامع)) بناءً على ما توصلت إليه تلك الدراسة من نتائج؛ وبعدها تستطيع الحكم عليه؛ وحتى ظهور مثل تلك الدراسة؛ فإنّي أميل إلى القول: بأنّ ((جمع الجوامع)) إنّما هو متن من متون المتكلمين، ولا علاقة له لا بطريقة الحنفية، ولا بالطريقة الجامعة؛ والله أعلم بالصواب.


(١) قارن بين المسائل التالية في جمع الجوامع ونظائرها في المنهاج والمختصر: تأخير العبادة عن أول الوقت مع ظن الموت جمع (١٢٨) والمنهاج (٢٢)، والأصح أن المباح ليس بجنس للواجب جمع (١٢٧)، المختصر (٢/ ٥ - ١١)، ولا تكليف إلا بفعل جمع (١٣٠) والمختصر (٢/ ٥٤).

<<  <   >  >>