للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الفرس وجمح ومر يعدو بسرجه ولجامه فطلبه الفارس يومه كله فأعجزه وغاب عن عينيه عند غروب الشمس فرجع الفارس إلى أهله وقد يئس من الفرس ولما انقطع الطلب عن الفرس وأظلم عليه الليل جاع فرام أن يرعى فمنعه اللجام ورام أن يتمرغ فمنعه السرج ورام أن يستقر على أحد جنبيه فمنعه الركاب فبات بأشر ليلة ولما أصبح ذهب يبتغي فرجاً مما هو فيه فاعترضه نهر فدخله ليقطعه إلى الجانب الآخر فإذا هو بعيد القعر فسبح فيه إلى الجانب الآخر وكان حزامه من جلد لم يبالغ في دبغه فلما خرج من النهر أصابت الشمس الحزام فيبس واشتد عليه فورم عنقه ووسطه واشتد الضرر عليه مع ما به من الجوع فلبث بذلك أياماً إلى أن ضعف عن المشي فقعد فمر به خنزير وهم بقتله ثم عطف عليه لما رأى ما به من الضعف فسأله عن حاله فأخبره بما هو فيه من أضرار اللجام والسرج والحزام وسأله

أن يصطنع عنده معروفاً ويخلصه مما ابتلي به فسأله الخنزير عن الذنب الذي استحق به تلك العقوبة فزعم الفرس أنه لا ذنب له، فقال له الخنزير كلا بل أنت كاذب في زعمك أو جاهل بجرمك فإن كنت يا فرس كاذباً فما ينبغي لي أن أنفس عنك خناقاً ولا أصطنع عندك معروفاً ولا أتخذك ولياً ولا ألتمس عندك شكرا ولا أطلب فيك اجراً فإنه كان يقال احذر مقاربة ذوي الطباع المرذولة لئلا يسرق طبعك من طباعهم وأنت لا تشعر وكان يقال لا تطمع في استصلاح الرذل فإنه لن يترك طباعه من أجلك ثم قال له الخنزير وإن كنت أيها الفرس جاهلاً بجرمك الذي استوجبت به هذه العقوبة فجهلك بذنبك أعظم منه فإن من جهل ذنوبه أصر عليها فلم يرج فلاحة فقال الفرس للخنزير ينبغي لك أن تزهد في اصطناع المعروف فإن الدهر ذو صروف فقال الخنزير إني لست بزاهد في ذلك ولكنه كان يقال العاقل يتخير لمعروفه كما يتخير الباذر لبذره ما زكا من الأرض فحدثني يا فرس عن ابتداء أمرك فيما نزل بك وعن حالك قبل ذلك لأعلم من أين دهيت فحدثه الفرس عن جميع أمره وكيف كان عند فارسه وكيف فارقه وما لقي في طريقه إلى حين اجتماعه بالخنزير فقال له الخنزير قد ظهر لي الآن أنك جاهل بجرمك وأن لك ذنوباً ستة احدها خذلانك فارسك الذي أحسن إليك وأعدك للمهمات والثاني كفرك لإحسانه والثالث إضرارك به في طلبك والرابع تعديك على ما ليس لك من العدّة وهي السرج واللجام

<<  <   >  >>