للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تراجع الحق ولا تتمادى في الباطل.

وأما قوله: بل إنهم ينكرون على من يقول بإنكاره، فيزيدون الحديث عِلة والطين بلة.

فجوابه: أن يقال: إن أهل السنة لا يلحقهم لوم إذا فعلوا ما يجب عليهم من إنكار المنكر والرد على أهل الباطل، وإنما اللوم كل اللوم على من يقول بالباطل ويدعو إليه ويزينه للناس، وذلك هو المردود عليه.

وقال ابن محمود في صفحة (٢٤) و (٢٥): "إن فكرة المهدي والفتنة به لها أسباب سياسية واجتماعية، وغالبها مقتبس من عقائد الشيعة وأحاديثهم، فسرى اعتقادها إلى أهل السنة بطريق العدوى والتقليد الأعمى، فبعد خروج الخلافة من أهل البيت تصدى أقوام من المتحمسين لهم، فعملوا عملهم في صناعة الأحاديث التي غزوا بها أفكار الجمهور يروونها عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأحكموا أسانيدها عن أكثر الموتى، وأخرجوها بطرق مختلفة، وأسانيدها مضطربة ومتعارضة، فصدَّق بها بعض علماء الإسلام، وضَعَفَة العلوم والأفهام، وصار لها الأثر السيئ في تضليل عقول الناس وإفساد عقائدهم، وخضوعهم للخرافات والأوهام.

والجواب عن هذا من وجوه؛ أحدها: أن يقال: إن خروج المهدي في آخر الزمان ثابت بالسنة، وليس ذلك مجرد فكرة كما قد زعم ذلك ابن محمود في هذا الموضع وفي مواضع أخر من رسالته، وقد تقدم الجواب عن ذلك في أول الكتاب عند قول ابن محمود: إن فكرة المهدي ليست في أصلها من عقائد أهل السنة. فليراجع (١).

الوجه الثاني: أن يقال: لا صحة لما زعمه ابن محمود من اقتباس فكرة المهدي من عقائد الشيعة وأحاديثهم، وأن اعتقادها سرى إلى أهل السنة بطريق العدوى والتقليد الأعمى، فقد روى الصحابة -رضي الله عنهم- أحاديث المهدي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن توجد الشيعة، وروى زر بن حبيش حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- في المهدي قبل خلافة علي -رضي الله عنه- وقبل وجود الشيعة، وجميع الأحاديث الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في خروج المهدي ليس في شيء من أسانيدها أحد من الشيعة، ولا مَن يُتهم بالتشيع.

الوجه الثالث: أن يقال: إن التقليد الأعمى في الحقيقة هو تقليد ابن محمود لأحمد أمين في تخيلاته وما وقع في نظره، فقد زعم أحمد أمين في صفحة (٢٣٧) من ..................


(١) ص ٢٦ - ٣١.

<<  <   >  >>