للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بن أبي عبيد واتباعه من الكيسانية، وقد تقدم بيان ذلك في أثناء الكتاب مع الكلام على قول ابن محمود في صفحة (١٦):إن عبد الله بن سبأ كان يقول: إن المهدي هو محمد بن الحنفية. فليراجع (١).

وأما قوله: ومنها ما يشير إلى أنه رجل اسمه الحارث، ويؤمر بالسعي إليه لبيعته ولو حبوًا على الركب أو على الثلج.

فجوابه: أن يقال: قد روي أبو داود بإسناد فيه انقطاع عن علي -رضي الله عنه- قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحارث حراث، على مقدمته رجل يقال له منصور، يوطِّئ أو يمكن لآل محمد، كما مكنت قريش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وجب على كل مؤمن نصره، أو قال: إجابته». فلو صح هذا الحديث لما كان الأمر فيه على ما زعمه ابن محمود من أنه يشير إلى أن الحارث هو المهدي، وأنه يؤمر بالسعي إليه لبيعته ولو حبوًا على الرُكب أو على الثلج، فهذا من مغالطات ابن محمود وتلبيسه على الجهال، وإنما هو صريح في كون الحارث من أنصار آل محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أي أنصار المهدي الذي هو من آل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه يُمكِّن لأهل البيت النبوي كما مكنت قريش لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأنه يجب على كل مؤمن نصره.

وقال ابن محمود في صفحة (٣١): "خامسًا: لم يكن من هدي رسول الله ولا من شرعه أن يحيل أمته على التصديق برجل في عالم الغيب، وهو من أهل الدنيا ومن بني آدم، فيخبر عنه أنه يفعل كذا وكذا مما يوجب الاختلاف والاضطراب بين الأمة".

والجواب: أن يقال: بل إن من أعظم هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن آكد شرعه الإيمان بما جاء في الكتاب والسنة من أنباء الغيب مما كان قبل زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما سيكون بعده إلى أن تقوم الساعة، وما سيكون بعد قيامها أيضًا.

والإيمان بالغيب من أعلى صفات المتقين، قال الله -تعالى-: {الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.

والقرآن والسنة مملوآن من قصص الأنبياء وغير الأنبياء من بني آدم، ممن كانوا .........


(١) ص ١٢٣ - ١٢٥.

<<  <   >  >>