للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بالسخرية والاستهزاء؟ إن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء.

وإذا علم ما تقدم، فقد ذكر ابن إسحاق وغيره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاصر بني قريظة خمسًا وعشرين ليلة حتى نزلوا على حكمه، وحاصر أهل خيبر في حصونهم حتى أيقنوا بالهلكة فسألوه أن يسيرهم وأن يحقن دماءهم ففعل، وحاصر أهل الطائف قريبًا من شهر ورماهم بالمنجنيق ثم انصرف عنهم ودعا لهم بالهداية.

وعلى هذا، فهل يقول مؤمن إن المؤمنين الذين يفتتحون القسطنطينية بالتهليل والتكبير في آخر الزمان يكونون أعز على الله وأكرم عليه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو يقول مؤمن إن المؤمنين الذين يناديهم الحجر والشجر في آخر الزمان ويدلهم على اليهود ليقتلوهم يكونون أعز على الله -تعالى- وأكرم عليه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث لم يتيسر له فتح الطائف بعد الحصار الطويل، ولم تتيسر له الغلبة على بني قريظة وأهل خيبر إلا بعد الحصار الطويل؟! كلا لا يقول ذلك مؤمن.

وهكذا يقال في تمكين المهدي في الأرض في مدة قصيرة لا تتجاوز تسع سنين، وبسطه للقسط والعدل وإزالته للجور والظلم في هذه المدة القليلة، لا يقول مؤمن إنه بهذا التمكين يكون أعز على الله -تعالى- وأكرم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والذي لا يشك فيه المؤمن أن تمكين المهدي في الأرض، وما يجريه الله من خوارق العادات للمؤمنين الذين يقاتلون اليهود في آخر الزمان، وللمؤمنين الذين يفتتحون القسطنطينية في آخر الزمان، كله من ثمرة المتابعة للرسول - صلى الله عليه وسلم - ونصر دينه، وهذا في الحقيقة إكرام النبي - صلى الله عليه وسلم -.

الوجه الثاني: أن يقال: من علم أن الله على كل شيء قدير، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يؤيد من شاء من خلقه بما شاء من أسباب النصر والتمكين، لم يكن عنده شك ولا تردد في التصديق بما أخبر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المهدي.

فأما كثرة الاعتراض على أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخباره الصادقة بحرف "هل" فهذا دليل على كثرة الشك والارتياب عند المعترض، وقد قال الله -تعالى-: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}.

الوجه الثالث: أن يقال: قد أخبر الله عن ذي القرنين أنه مَكَّنَ له في الأرض وآتاه من كل شيء سببًا، وأخبر عنه أنه بلغ المغرب والمشرق، وبني السد دون يأجوج ومأجوج، وهو عبد من عباد الله الصالحين، ومع هذا فقد مكن الله له في الأرض .........................

<<  <   >  >>