للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وابن حجر العسقلاني، ونور الدين الهيثمي، وغيرهم من العلماء الذين صححوا بعضًا من أحاديث المهدي وحسنوا بعضا؟ فهل يقول ابن محمود إن هؤلاء كلهم من البسطاء السذج؛ لأنهم قبلوا الصحاح والحسان من أحاديث المهدي، وصدقوا بما جاء فيها من خبر الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؟ أم ماذا يجيب به عن كلامه السيئ الذي أخذه من كتاب أحمد أمين، ولم يتثبت فيه، ولم يتأمل فيما يترتب عليه من اللوازم السيئة، بل جعله قضية مُسلَّمة كأنما ظفر بنص من كتاب الله -تعالى- أو من سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -؟ وقد تقدم عن ابن محمود (١) أنه قال: أكثر الناس مقلدة يقلد بعضهم بعضًا، وقليل منهم المحققون، وقد وقع فيما ذمه من التقليد، بل في أسوأ التقليد؛ لكونه قلَّد أحمد أمين فيما يعود بالطعن في بعض الصحابة والتابعين ومن بعدهم من الحفاظ والأئمة الذين خرجوا أحاديث المهدي، وفيمن صحح بعضها وحسن بعضها من أكابر الأئمة الذين تقدم ذكرهم، وهذه سوأة لا يسترها ويزيل أثرها إلا التوبة الصادقة، ونشر ما يضادها ويبين فسادها.

وأما قوله: وكانت بذلك مؤامرة شنيعة، أفسدت بها عقول الناس، وامتلأت بأحاديث تروي، وقصص تقص، نسبوا بعضها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعضها إلى أهل البيت، وبعضها إلى كعب الأحبار .... إلى آخر كلامه.

فجوابه من وجهين؛ أحدهما: أن يقال: أما الأحاديث الثابتة في المهدي فلم يرو منها عن أهل البيت سوى ثلاثة أحاديث عن علي -رضي الله عنه؛ اثنان مرفوعان، أحدهما صحيح، والآخر حسن، والثالث موقوف صحيح. وقد ذكرتُ هذه الأحاديث الثلاثة في أول الكتاب (٢)، وأما كعب الأحبار فليس له رواية في الأحاديث الثابتة في المهدي.

الوجه الثاني: أن يقال: إن الأحاديث الثابتة في المهدي ليست هي التي أفسدت عقول الناس، وإنما أفسدهم الطمع في الملك وحب الرياسة والجاه، كما فعل الذين ادعوا النبوة؛ مثل الأسود العنسي، ومسيلمة الكذاب، وسجاح، وطليحة الأسدي، والمختار بن أبي عبيد، وغيرهم من الدجالين الذين ادعوا ................................................


(١) ص ٤٦.
(٢) ص ١٤ - ١٦.

<<  <   >  >>