للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أما عن ادعائهم أن عمر - رضي الله عنه - اضطهد الصحابة وغلبهم بالقوة فدونه خرط القتاد! فكيف يستطيع رجل واحد –كما جاء في رواياتهم (١) - أن يمنع النبي - صلى الله عليه وسلم - من تبليغ أمرٍ تزعمون أنه وصية الله ورسوله! وهو أمر لا يجوز جهله ناهيك عن نكرانه والتنكب له؟

ثم أنتم زعمتم أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلغه مراراً وتكراراً في غدير خم وغيره –فلو سلمنا جدلاً- فما الطائل إذن من دفعه في هذا الموضع أو منعه، والناس كل الناس تعرفه؟ ولو أعملتم النظر في فريتكم هذه لوقعتم في الكفر على قواعدكم إذ تزعمون أنّ الوصية نصَّ عليها القرآن وذكرت صراحة بقوله تعالى:" {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} المائدة٦٧.

يقول ابن تيمية رحمه الله:" ومن توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة علي فهو ضال باتفاق عامة الناس من علماء السنة والشيعة، أما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبي بكر وتقديمه، وأما الشيعة القائلون بأن علياً كان هو المستحق للإمامة فيقولون إنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصاً جلياً ظاهراً معروفاً وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب، وإن قيل إن الأمة جحدت النص المعلوم المشهور فلأن تكتم كتاباً حضره طائفة قليلة أولى وأحرى، وأيضاً: فلم يكن يجوز عندهم تأخير البيان إلى مرض موته، ولا يجوز له ترك الكتاب لشك من شك فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته لكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبينه ويكتبه ولا يلتفت إلى قول أحد فإنه أطوع الخلق له، فعلم أنه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجباً ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذ إذ لو وجب لفعله ......... كما لم يترك تبليغ غير ذلك لمخالفة من خالفه ومعاداة من عاداه وكما أمر في ذلك الحال بإخراج اليهود من جزيرة العرب وغير ذلك مما ذكره في الحديث ... وقد حكى سفيان بن عيينة عن أهل العلم قبله أنه - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يكتب استخلاف أبي بكر - رضي الله عنه -، ثم ترك ذلك اعتماداً على ما علمه من تقدير الله تعالى ذلك كما هم بالكتاب في أول مرضه حين قال: "وارأساه"، ثم ترك الكتاب، وقال: "يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر"، ثم نبه أمته على استخلاف أبي بكر بتقديمه إياه في الصلاة" (٢).

ثم كيف يستطيع عمر - رضي الله عنه - أن يقهر أمة كاملة فيهم أمثال أبي بكر وعثمان وعلي وطلحة وسعد، وهم أهل الشجاعة والدين وقد نصّ القرآن على صدقهم وشدتهم!! فيكتمونه عن الناس ولا يبلغونه، ولا ينصرون نبيهم في هذه اللحظات التي هي أشد اللحظات عليهم، لحظات الفراق وقد عرفوا بحبه واتباعه، حتى قال


(١) ينظر مثلا: إثبات الهداة، الحر العاملي١/ ٥٤٩،والغيبة، للمجلسي ص١٥٠،وله أيضاً: بحار الأنوار ٥٣/ ١٤٧وغاية المرام، لهاشم البحراني ١/ ٣٧٠.
(٢) منهاج السنة ٦/ ٢٥ - ٢٦.

<<  <   >  >>