للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قيل لابن الرومي، ولَمْ أرَها في ديوانه، وإن كانت أشبهَ بمذهب ابنِ الرّومي -:

أَلَمْ تَرَ رُزَْء الدَّهْرِ مِنْ قبلِ كَوْنِه ... كِفاحاً إذا فكَّرْتَ في الخَلَواتِ

فَما لَكَ كالمَرْمِيِّ في مَأمَنٍ لهُ ... بِنَبْلٍ أَتَتْهُ غيرَ مُرْتَقَباتِ

فإنْ قُلْتَ مَكْرُوهٌ أتاني فُجَاَءةً ... فمَا فُوجِئَتْ نَفْسٌ مَع الخَطَرَاتِ

ولا عُوقِبَتْ نَفْسٌ بِبَلْوى وقد رأتْ ... عِظاتٍ من الأيّام بَعدَ عِظَاتِ

إذا بُعِثَتْ أشياءُ قد كان مِثْلُها ... قديماً فلا تَعْتَدَّها بَغَتاتِ

وهذه الأبياتُ من الوضوح والإنارةِ بحيث لا يعوزُها شرح، وقالوا: ما أمتعَ الدَّهرُ إلا ليَمْنعَ، ولا أعطى إلا ليَسْتردَّ، ولولا اغترارُ الجاهلِ بعوائِدِه، لخلت النفوسُ من الحسرةِ على نوائبِه، وقالوا: لا تُخْلِ فكرَك من عوارضِ الفكرِ وخواطرِ الذكرِ فيما تعروكَ به الأيّام، من ارتجاعِ ودائِعِها، وحلول وقائعِها، - وهذا ما قاله ابن الروميِّ آنفاً -.

الغَمُّ يُورِثُ السَّقَمَ والهَرَم

قال المتنبّي:

والْهَمُّ يَخْتَرِمُ الجَسيمَ نَحافَةً ... ويُشيبُ ناصِيَةَ الصَّبيِّ ويُهْرِمِ

يخترم: يستأصل ويقتطع، والجسيم: العظيم الجسم، والنحافة: الهزال، والناصية: شعر مقدَّم الرأس، يقول: إنّ الحزن إذا استولى على المرء أذهبَ جسمَ العظيمِ الجسدِ وهَزَله حتى يأتي عليه من الهزال، ويُشيب الصبيَّ قبل الأوان حتى يصيرَ كالهرم من الضعف والعجز. . . وسُئل عبد الله بن عباس عن الحزن والغضب فقال: أصلاهُما واحدٌ، وذلك وقوعُ الأمر