للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول: لا بدُّ للمحزونِ من سكون، إمّا أن يَسْكنَ عزاءً، أو يَسْكنَ إعياءً، وإذن فحقيقٌ بالعاقل أن يسكنَ تعزّياً، كما قال محمود الوراق:

إذا أنْتَ لمْ تَسْلُ اصْطِباراً وحِسْبَةً ... سَلَوْتَ على الأيّامِ مِثْلَ البَهائِمِ

وكما قال أبو تمام:

أتصْبِرُ لِلْبَلْوَى عَزَاءً وحِسْبَةً ... فتُؤْجَرَ أمْ تَسْلو سُلُوَّ البَهائِمِ

الحِسْبة: طلب الأجر والثواب.

ومن أحسن ما قيل من الشعر القديم، في أنَّ الحزن يبلى إذا تقادم عهدُه قول أبي خراش الهُذلي - شاعر مخضرم أسلم وهو شيخٌ كبير، يوم حنين -:

على أنّها تَعْفُو الكُلومُ، وإنّما ... نُوَكَّلُ بالأدْنى وإنْ جَلَّ ما يَمْضِي

وقبل هذا البيت:

حَمِدْتُ إلَهي بَعدَ عُرْوَةَ إذْ نَجا ... خِرَاشٌ، وبعضُ الشَّرِّ أهْوَنُ مِن بَعضِ

فواللهِ: ما أنْسَى قَتِيلاً رُزِئْتُهُ ... بِجَانِبِ قُوسَى ما مَشَيْتُ على الأرْضِ

على أنّها تعفو الكُلومُ. . . البيت

ولَمْ أدْرِ مَنْ ألْقَى عليه رِداَءهُ ... على أنّه قَدْ سُلَّ عن ماجِدٍ مَحْضِ

وكان من حديث هذا الشعرِ، أنَّ عروةَ بنَ مُرّة أخا أبي خِراش، وخِراشَ بن أبي خِراش، اصطحبا في متصرَّف لَهما؛ فأسرهما بطنانِ من ثُمالة: بنو رازم وبنو بلال - وكانا موتورين - فاختلفوا في الإبقاءِ عليهما وقتلهما، فمال بنو بلال إلى قتلهما، وتفاقم الأمرُ بينهما في ذلك، إلى أن صار يؤدي إلى المقاتلة، فتفرّد أولئك بعروةَ فقتلوه، وتفرّد هؤلاء بخِراشٍ فخلا به واحدٌ منهم، منتهزاً للفرصة في الإسداء، فقال له: كيف دليلاكَ؟ فقال: قَطاةٌ، فألقى عليه رداءَه، وقال: انْجُهْ، فمَرَّ لِطِيَّتِه، فلمّا انحرفوا للنظرِ