للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الخلائق، تحمل في إحدى يديها مِجهراً، وعليها ثوبٌ فضفاضٌ هَفْهافٌ سابغُ الذيل موشَّى بعدد عديد من تصاوير الجان والعفاريت، كلّما ضربت الريحُ الجلبابَ تلوّنت وتشكّلت تلك التهاويلُ أشكالاً وألواناً؛ وكان في عينها وَلَهٌ وتلهُّفٌ وحيرةٌ، وكان اسمها الوهم وهي التي كانت تسوق كلّ فردٍ من البشر إلى المكان المعيّن بعد إعانتِها إيّاه على ربط حُزمته وحَبْكِها وإلقائِها على عاتقه، فأذاب قلبي رؤيةُ إخوتي وأبناء أمي وأبي ينوؤون بأحمالهم. ويئنّون تحت أثقالهم؛ وفتّت كبدي أن أبصرَ ذلك الجبلَ الباذخَ الذي من أحزانهم تكوّن، ومن آلامهم تألّف، على أنه ألهاني عند ذلك، وسلاني هنالك: عدةٌ من القوم، لغريبِ أحوالهم وعجيبِ هيئاتهم؛ فمن بين هؤلاء رجلٌ في حُلّة مطرزةٍ أقبل يسعى حتى جاء المكان، فأخرج من تحت حلّته الموشّاة المُزركشة حملاً، فألقاه فحَدَجْتُ ببصري أتبيّنه، فإذا هو: الفقر؛ وأقبل آخرُ يرزح

تحت ثقلِه، وبعد كثير من التنفّس والزفير ألقى حملَه، فنظرت؛ فإذا هو؛ زوجته؛ ورأيت عدداً عديداً من العشّاق على كواهلِهم أثقالٌ عجيبةٌ من سهامٍ وشُعل؛ ولكن أعجبُ من ذلك أنّه برغم ما رأيته يكادُ يمزِّق قلوبَهم من غُلَواء الوجد وبُرَحاء الكمد؛ وبرغم زفرةٍ لهم ترقى؛ وعَبرة لا ترقا كانوا لا يستطيعون مطاوعةَ عقولهم على إلقاء تلك الأثقال عند ما بلغوا الكثيب؛ ولكنهم بعد قليلٍ من المحاولة - محاولة المتثاقل المتكرِّه - هزّوا رؤوسهم ورجعوا بأثقالهم أشدَّ ثقلاً وأفدحَ حملاً، وأبصرت كثيراً من العجائِزِ يُلقينَ تغاضِينَ وجوهِهنّ