للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يخلف عليكم أفضل مما أنفقتم وقيل لإبليس: مَن أحبُّ الناس إليك؟ فقال: عابدٌ بخيل. . قيل: فمن أبغض الناس إليك؟ قال: فاسِقٌ سخي، فإن سخاءه يُنجيه. . . أفرأيت! أليس هذا الكلام تمثيلاً جميلاً لحالَيْ البخيل والجواد! حتى إنهم فضلوا الفاسق السخي على العابد البخيل، وأحسن منهما جميعاً لعمري: العابد الكريم، وإنما كان العابد البخيل مفضولاً، لأن العبادة الحق لا تجتمع والبخلَ. . . وقال بعضهم لآخر: إنك متلافٌ، فقال: مَنْعُ الجودِ سوءُ ظنٍّ بالمَعْبود، قال تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}. ومن هذا قول بعض الحكماء: عليكم بأهل السخاء والشجاعة فإنهم أهل حسن ظن بالله، ولو أن أهل البخل لم يدخل عليهم من ضرِّ بخلهم، ومذمَّةِ الناس لهم، وإطباق القلوب على بُغضهم، إلا سوءُ ظنّهم بربهم في الخَلَف - أي العَوض - لكان عظيماً، وفي هذا المعنى يقول محمود الوراق:

مَنْ ظَنَّ باللهِ خيراً جاد مُبْتَدِئاً ... والبُخْلُ مِنْ سُوءِ ظَنِّ المَرْءِ باللهِ

وورد في الحديث: (خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل والكبر) وقال بعضهم في هذا المعنى:

أُناسٌ تائهُونَ لَهم رُوَاءٌ ... تَغِيمُ سَماؤُهمْ مِنْ غَيْرِ وَبْلِ

ومن أمثالهم في ذلك: رُبّ صَلْفٍ تحتَ الراعدة. . . الراعدة: السحابة ذات الرعد، والصلف قلة الخير، وهذا المثل يضرب للبخيل مع الوجد والسّعة، ولأئمة اللغة كلام كثير في هذا المثل راجعه في مادة صلف بلسان