للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن العناء فيه بألف منزل، قد أغناهم الفعل عن القول والفضل عن الفضول والأعذار والإحسان عن صوغ اللسان، وأنا أورد إن شاء الله تعالى أحاسن ما يحضرني من أشعار المفلوكين ومن في معناهم في هذه المقاصد كلها.

وإنما قلت (ومن في معناهم) دفعا لسؤال مقدر توجيه أن المذكور في هذا الفصل من الشعر منه ما هو من كلام الأماثل والعظماء والنبلاء فالجواب إنه وان صدر عن عظيم أو نبيل فإنما ذكر بلسان المفلوكين وشرحا لحالهم ونيابة عنهم ورحمة عليهم، أو عند معارض فلاكة حقيقية عرضت للوجيه العظيم صيرته في حكم المفلوك بحسب تلك الحالة، أو عند عارض فلاكة حالية بحكم الوارد على القلة، فإن الوارد - كما هو مقرر في كتب الصوفية - إذا ورد على القلب وشايعته النفس بالاستحسان والاستجلاء ولم يمانعه اكسب حالا، وإذا علمت الأحوال المقتضية للأشعار الآتية والحامل عليها فهاكها غير ناس ولا غافل عما قررته في مقدمة الفصل العاشر فإنه محتاج إليها في هذا الفصل، فمن ذلك القول القائل:

-

إلى الله أشكو جور دنياكم التي ... تغر الفتى حتى يوارى برمسه

فتكسبه إن أقبلت حسن غيره ... وتسلبه إن أدبرت حسن نفسه

ومنه:

ما تطعمت لذة العيش حتى ... صرت للبيت جليسا

أي شيء أعز عندي من العل ... م فما ابتغى سواه أنيسا

إنما الذل في مخالطة النا ... س فدعهم وعش عزيزا رئيسا

ومنه:

تلحى على البخل الشحيح بماله ... أفلا تكون بماء وجهك أبخلا

أكرم يديك عن السؤال فإنما ... قدر الحياة أقل من أن تسألا

ولقد أضم إلي فضل قناعتي ... وأبيت مشتملا بها متزملا

وأرى العدو على الحصاصة شارة ... تصف الغني فيخالني متمولا

وإذا امرؤ أفنى الليالي حيرة ... وأمانيا أفنيتهن توكلا

<<  <   >  >>