للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله تعالى عنهما - لأحدنه حد الفرية» (١) وهو على ما في (التحفة) ثمانون جلدة وقيل عشر، والله تعالى أعلم.

[(الشيعة السبية)]

الفرقة الثالثة الشيعة السبّية: ويقال لها «التبرئية» وهم عبارة عن الذين يسبون الصحابة، إلا قليلا منهم كسلمان الفارسي وأبي ذر والمقداد وعمار بن ياسر - رضي الله تعالى عنهم -، وينسبونهم - وحاشاهم - إلى الكفر والنفاق، ويتبرأون منهم، ومنهم من يزعم والعياذ بالله تعالى ارتداد جميع من حضر غدير خم (٢) يوم قال - عليه الصلاة والسلام - «من كنت مولاه فعلي مولاه» الحديث، ولم يف بمقتضاه من بيعة الأمير كرم الله تعالى وجهه بعد وفاته - عليه الصلاة والسلام - بل بايع غيره. وهذه الفرقة حدثت في عهد الأمير - رضي الله تعالى عنه - بإغراء عبد الله بن سبأ اليهودي الصنعاني (٣) كما سيأتي. وليس هو هيان بن بيان، (٤) وزعمُ ذلك مكابرة وإنكار للمتواتر. ولما ظهرت أظهر الأمير كرم الله تعالى وجهه البراءة منها، وخطب عدة خطب في قدحها وذمها. وقد روى الإمام المؤيد بالله يحيى بن حمزة الزيدي (٥) في آخر كتابه (طوق الحمامة في مباحث الإمامة) (٦)

عن سويد بن غفلة أنه قال: مررت بقوم ينتقصون أبا بكر وعمر - رضي الله عنهما -، فأخبرت عليا كرم الله وجهه وقلت: لولا أنهم يرون أنك تضمر ما أعلنوا ما اجترأوا على ذلك، منهم عبد الله بن سبأ. فقال علي - رضي الله تعالى عنه - «نعوذ بالله، رحمهما الله» (٧) ثم نهض وأخذ بيدي وأدخلني المسجد فصعد المنبر ثم قبض على لحيته وهي بيضاء فجعلت دموعه تتحادر عليها، وجعل ينظر للقاع حتى اجتمع الناس، ثم خطب فقال: «ما بال أقوام يذكرون أخوي رسول الله ووزيريه وصاحبيه وسيدي قريش وأبوي المسلمين، وأنا برئ مما يذكرون، وعليه معاقب. صحبا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالحب والوفاء والجد في أمر الله، يأمران وينهيان ويغضبان في أمر الله، فقبض وهو عنهما راض، والمسلمون راضون، فما تجاوزا في أمرهما وسيرتهما رأي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمره في حياته وبعد موته، فقبضا على ذلك رحمهما الله،


(١) ذكره الخطيب البغدادي في كتابه: الكفاية في علم الرواية ١/ ٣٧٦ ثم قال: «قال أبو عبد الله البوشنجي هذا الحديث الذي سقناه ورويناه من الأخبار الثابتة لأمانة حمّاله وثقة رجاله وإتقان آثاريه وشهرتهم بالعلم في كل عصر من أعصارهم إلى حيث بلغ من نقله إلى الإمام الهادي علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حتى كأنك شاهد حول المنبر وعلي فوقه وليس مما يدخل إسناده وهم ولا ضعف» وذكره ابن أبي عاصم في كتابه السنة ٢/ ٥٧٥.
(٢) اسم بئر، قال ابن إسحاق: «وأصلها من خممت الماء: إذا كنسته، وهو بين مكة والمدينة على ثلاثة أميال من الجحفة». البكري، معجم ما استعجم: ٢/ ٥١٠؛ ياقوت الحموي، معجم البلدان: ٢/ ٣٨٩.
(٣) أظهر عبد الله بن سبأ اليهودي الإسلام، وهو أول من طعن بالخلفاء الثلاثة - رضي الله عنهم -، وقد قال الحسن بن موسى النوبختي (من كبار علماء الإمامية) في كتابه فرق الشيعة: «فلما قتل علي - عليه السلام - افترقت التي ثبتت على إمامته وأنها فرض من الله عز وجل ورسول الله - عليه السلام - فصاروا فرقا ثلاثة»، وقال: «والسبئية أول من قال منها بالغلو، وهم أصحاب عبد الله بن سبأ اليهودي ... وحكى جماعة من أهل العلم أن عبد الله بن سبأ كان يهوديا فأسلم ووالى عليا - عليه السلام -، وكان يقول وهو على يهوديته في يوشع بن نون بعد موسى - عليه السلام - بهذه المقالة، فقال في إسلامه بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - في علي - عليه السلام - بمثل ذلك، وهو أول من شهر القول بفرض إمامة علي - عليه السلام -، وأظهر البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه». وهذا يثبت حقيقة هذه الشخصية ودورها في الغلو، رغم أن الكثير من علماء الإمامية المتأخرين والمعاصرين حاولوا التشكيك في وجوده، لتجنب نسبة الرفض إلى اليهودية. يضاف إلى تقرير النوبختي كلام العلماء الذين كتبوا في تاريخ الفرق والمقالات. ينظر النوبختي، فرق الشيعة ص ١٩ - ٢٠؛ الأشعري، مقالات الإسلاميين: ١/ ٨٥ - ٨٦؛ الإسفراييني، التبصير في الدين: ص ٧١ - ٧٢، الشهرستاني، الملل والنحل: ١/ ١٥٥ - ١٥٦.
(٤) تقول العرب لمن لا يعرف أصله أو نسبه: هو هيان بن بيان، انظر فتح الباري: ٧/ ٤٩٠
(٥) من أكابر علماء اليمن، علوي، ولد في صنعاء سنة ٦٦٩هـ؛ وتبحر في العلوم والفنون، توفي سنة ٧٠٥هـ. البدر الطالع: ٢/ ٣٣١؛ هدية العارفين: ١/ ٨٢٠.
(٦) في مكتبة الأحقاف في مدينة تريم باليمن، والمخطوط بعنوان (أطواق الحمامة في حمل الصحابة على السلامة من كتاب الانتصار في الذب عن الصحابة الأخيار للإمام المؤيد)، رقم (٢٧٠٧/ ٢)، وهو خمس لوحات ..
(٧) في الأصل: رحمنا والتصحيح من نهج السلامة