للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العقيدة الثالثة]

مذهب أهل السنة أن الله يعذب من يشاء ويرحم من يشاء من العصاة. ويعتقد الإمامية أن أحدا منهم لا يُعذب بأي ذنب من صغيرة أو كبيرة لا يوم القيامة ولا في القبر. (١) وهذه العقيدة إجماعية لهم ومسلمة الثبوت عندهم، ويستدلون عليها بأن «حب علي كاف في الخلاص والنجاة» (٢) كما تقدم في المقدمة. ولا يفهمون أن حب الله تعالى وحب رسوله - صلى الله عليه وسلم - لما لم يكن كافيا في النجاة والخلاص من العذاب - بلا إيمان وعمل صالح - كيف يكون حب علي كافيا؟ إن هذه العقيدة خلاف أصولهم ورواياتهم أيضا، ولكن لما كان غرضهم الإباحة والعذر لترك الطاعة وإسقاط التكاليف تلقوها بالقبول، وغلبت أنفسهم الأمارة بالسوء على العلم والعقل وقهرتها. أما المخالفة للأصول فلأنه إذا ارتكب إمامي الكبائر ولم يعاقبه الله على ذلك يلزم ترك الواجب على الله لأن عقاب العصاة واجب على الله عندهم، وأما المخالفة للروايات فلأن الأمير والسجاد والأئمة الآخرين قد روي عنهم في أدعيتهم الصحيحة البكاء والاستعاذة من عذاب الله تعالى، وإذا كان مثل هؤلاء الكرام خاشين هائبين، فكيف يصح لغيرهم أن يغتر بمحبتهم ويتكئ عليها في ترك العمل؟

وفي الأصل هذه العقيدة مأخوذة من اليهود، حيث قالوا {لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم في دينهم ما كانوا يفترون * فكيف إذا جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون} (٣) وعمدة ما يتمسكون به في هذا الباب روايات وضعها رؤسائهم الضالون المضلون. منها ما روى ابن بابويه القمي عن المفصل بن عمر (٤) قال: قلت لأبي عبد الله لم صار علي قسيم الجنة والنار؟ قال: لأن حبه إيمان وبغضه كفر، وإنما خلقت الجنة لأهل الإيمان والنار لأهل الكفر فهو قسيم الجنة والنار، لا يدخل الجنة إلا محبوه ولا يدخل النار إلا مبغضوه.» (٥)

والدليل على كذب هذه الرواية أن الأئمة ما كانوا ليقولوا بما يخالف القرآن والشريعة أصلا، وإلا فقد كذّبوا أنفسهم وآباءهم.


(١) من مروياتهم فيها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي: «إنك قسيم الجنة والنار». عيون أخبار الرضا: ٢/ ٢٧؛ العمدة: ص ٢٦٥.
(٢) يشبه مذهب النصارى الذين رد عليهم القرآن {ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ولا يجد له من دون الله وليا ولا نصيرا}
(٣) ينظر تفسير ابن كثير: ١/ ٣٥٦.
(٤) في الأصل عمرو، وهو المفضل بن عمر بن محمد الجعفي، روايته عند الإمامية عن الصادق، جرحه علماؤهم إلا المفيد، وأجمعوا أنه كان خطابيا، ورغم ذلك قال المامقاني: «إن الرجل صحيح الاعتقاد ثقة جليل لتوثيق المفيد إياه ... ». رجال النجاشي: ٢/ ٢٥٩؛ تنقيح المقال: ٣/ ٢٣٨.
(٥) علل الشرائع: ١/ ١٦١؛ معاني الأخبار: ص ٢٠٦.