للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فدونك فانظر فيها، وتأمل بظواهرها وخافيها.

[المطاعن الأولى في حق الصديق الأجل]

فمنها أنه صعد يوما على منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال له السبطان «انزل منبر جدنا» (١) فعلم أن ليس له لياقة الإمامة.

والجواب - على فرض التسليم - أن السبطين كانا إذ ذاك صغيرين، فإن الحسن ولد في الثالثة من الهجرة في رمضان والحسين في الرابعة منها في شعبان، والخلافة في أول الحادية عشرة، فأفعالهما إن اعتبرت بحيث تترتب عليها الأحكام لزم ترك التقية الواجبة، وإلا فلا نقص ولا عيب. فمن دأب الأطفال أنهم إذا رأوا أحدا في مقام محبوبهم ولو برضائه يزاحمونه ويقولون له قم عن هذا المقام، فلا يعتبر العقلاء هذا الكلام، وهم وإن ميزوا عن غيرهم لكن للصبي أحكاما، ولهذا اشترط في الاقتداء البلوغ إلى حد كمال العقل. ألا ترى أن الأنبياء لم يبعثوا إلا على رأس الأربعين إلا نادرا كعيسى، والنادر كالمعدوم.

ومنها أنه درأ الحد عن خالد بن الوليد أمير الأمراء عنده ولم يقتص منه أيضا، ولهذا أنكر عليه عمر لأنه قتل مالك بن نويرة مع إسلامه ونكح امرأته في تلك الليلة ولم تمض عدة الوفاة.

وجوابه أن في قتله شبهة، إذ قد شهد عنده أن مالكا وأهله أظهروا السرور فضربوا بالدفوف وشتموا أهل الإسلام (٢) عند وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، (٣) بل وقد قال في حضور


(١) نسبه المجلسي إلى السمعاني في الأنساب والخطيب البغدادي في تاريخه، بحار الأنوار: ٢٨/ ٢٣٢. لكنه نقل جزءا وأهمل ما لا يتفق مع مذهبه. والرواية كاملة عند الخطيب البغدادي عن: «الحسين بن علي قال: أتيت على عمر بن الخطاب وهو على المنبر فصعدت إليه، فقلت: انزل عن منبر أبي واذهب إلى منبر أبيك. فقال عمر: لم يكن لأبي منبر وأخذني وأجلسني معه، فجعلت أقلب خنصر يدي، فلما نزل انطلق بي إلى منزله فقال لي من علمك فقلت: والله ما علمنيه أحد، قال: يا بني لو جعلت تغشانا؟ قال: فأتيته يوما وهو خال بمعاوية وابن عمر بالباب فرجع ابن عمر ورجعت معه فلقيني بعد فقال بم أرك فقلت: يا أمير المؤمنين إني جئت وأنت خال بمعاوية وابن عمر بالباب، فرجع ابن عمر ورجعت معه، فقال: أنت أحق بالأذن من بن عمر وإنما أنبت ما ترى في رؤوسنا الله ثم أنتم». والرواية تذكر عمر وليس أبا بكر. ينظر: تاريخ بغداد: ١/ ١٤١
(٢) وزاد مالك بن نويرة على ذلك انه التحق بسجاح المتنبئة. ويقول البلاذري في فتوح البلدان إن مالكا وقومه قاتلوا سرايا خالد في البطاح فنصر الله سرايا خالد عليهم وأسروا مالكا وأصحابه.
(٣) ذكر الطبري أن سجاح بنت الحارث المتنبئة كانت قد راسلت مالك بن نويرة ودعته إلى الموادعة فأجابها. تاريخ الطبري: ٢/ ٢٦٩؛ ابن الجوزي، المنتظم: ٤/ ٢٢.