للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المطاعن الثانية في حق الفاروق رضي الله عنه]

فمنها وهو عمدة مطاعنهم ما روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أنه - صلى الله عليه وسلم - قال في مرض موته يوم الخميس قبل الوفاة بأربعة أيام للصحابة الحاضرين في حجرته المباركة: «ائتوني بكتف أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا» فتنازعوا، ولا ينبغي عند نبي تنازع. فقالوا: ما له أهجر؟ استفهموه. فقال: «ذروني، فالذي أنا فيه خير مما تدعونني إليه» فأمرهم بثلاث قال: «أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم». والثالثة إما أن سكت عنها، وإما أن قالها فنسيتها. (١)

وهذه رواية أهل السنة الصحيحة وزعموا أنه يستفاد منها الطعن على عمر بوجوه:

الأول أنه رد قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وأقواله كلها وحي لقوله تعالى {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} ورد الوحي كفر لقوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} (٢)

والجواب على فرض تسليم أن هذا القول صدر من الفاروق فقط أنه لم يرد قوله - صلى الله عليه وسلم - بل قصد راحته ورفع الحرج عنه - صلى الله عليه وسلم - في حال شدة المرض، إذ كل محب لا يرضى أن يتعب محبوبه ولا سيما في المرض، مع عدم كون ذلك الأمر ضروريا، ولم يخاطب بذلك الرسول - صلى الله عليه وسلم - بل خاطب الحاضرين تأدبا. وأثبت الاستغناء عن ذلك بقوله تعالى {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} وقد نزلت الآية قبل هذه الواقعة بثلاثة أشهر، وقد انسد باب النسخ والتبديل والزيادة والنقصان في الدين، فيتمنع إحداث شيء. وتأكيد المتقدم مستغني عنه لا سيما في تلك الحالة. ولو كان بيان المصلحة رد الوحي وقول الرسول للزم ذلك على الأمير أيضا، فقد روى البخاري الذي


(١) قال سفيان بن عيينة: هذا (أي قوله فنسيتها) من قول سليمان (أي الأحوال، هو راوي الحديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس).
(٢) هذه من أهم المطاعن التي ذكرها الحلي في نهج الحق