للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الديانة. (١)

والجواب أن هذه القصة إنما وقعت في بدء زمن الهجرة، ولم يكونوا إذ ذاك واقفين على الآداب الشريعة كما ينبغي، وكان للناس مزيد رغبة في الغلة، وظنوا أن لو ذهبت الإبل يزيد الغلاء ويعم البلاء، ولم يخرجوا جميعهم بل كبار الصحابة كأبي بكر وعمر كانوا قائمين عنده - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، ولذا لم يشنع عليهم ولم يوعهم سبحانه بعذاب ولم يعاتبهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أيضا. (٢)

ومنها أن أهل السنة رووا في صحاحهم عن ابن عباس أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: أصحابي أصحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك. فأقول كما قال العبد الصالح: وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد. فيقال: إنهم لن يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم». (٣)

والجواب أنا لا نسلم أن المراد بالأصحاب ما هو المعلوم في عرفنا، بل المراد بهم مطلق المؤمنين به - صلى الله عليه وسلم - المتبعين له، وهذا كما يقال لمقلدي أبي حنيفة أصحاب أبي حنيفة ولمقلدي الشافعي أصحاب الشافعي وهكذا وإن لم يكن هناك رؤية واجتماع. وكذا يقول الرجل للماضين الموافقين له في مذهب أصحابنا، مع أن بينه وبينهم عدة من السنين. ومعرفته - صلى الله عليه وسلم - لهم مع عدم رؤيتهم في الدنيا بسبب أمارات تلوح عليهم، فقد جاء في الخبر أن عصاة هذه الأمة يمتازون يوم القيامة من عصاة غيرهم كما أن طائعيهم يمتازون عن طائعي غيرهم، وجذبهم إلى ذات الشمال كان تأديبا لهم وعقابا على معاصيهم. ولو سلمنا أن المراد بهم ما هو معلوم في العرف فهم الذين ارتدوا من الأعراب على عهد الصديق -


(١) نهج الحق: ص ٣١٧.
(٢) أخرج مسلم عن جابر بن عبد الله قال: «بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - قائم يوم الجمعة إذ قدمت عير إلى المدينة، فابتدرها أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى لم يبق معه إلا اثنا عشر رجلا، فيهم أبو بكر وعمر قال: ونزلت هذه الآية: {وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها}».
(٣) متفق عليه، وفتح الباب لطعن الشيعة بالصحابة بهذا الحديث يفتح الباب للخوارج بالطعن به بالأمير، فتأمل.