للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أربعين امرأة وسير معها أخاها محمدا. ولما كان اليوم الذي ارتحلت فيه جاء علي كرم الله تعالى وجهه فوقف على الباب في الهودج فودعت الناس ودعت لهم وقالت: «يا بني لا يغتب (١) بعضكم بعضا، إنه ما كان بيني وبين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في القديم إلا ما يكون بين المرأة وأحمائها، وإنه لمن الأخيار» فقال علي كرم الله تعالى وجهه «صدقت، والله ما كان بيني وبينها إلا ذلك، وإنها زوجة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - في الدنيا والآخرة» (٢) وسار معها مودعا أميالا، وسرح بنيه معها بقية ذلك اليوم. (٣) وكانت رضي الله تعالى عنها بعد ذلك إذا ذكرت ما وقع تبكي حتى تبل خمارها. (٤)

ففي هذه المعاملة من الأمير كرم الله تعالى وجهه دليل على خلاف ما تزعمه الشيعة من كفرها (٥) - وحاشاها رضي الله عنها - وفي ندمها وبكائها على ما كان دليل على أنها لم تذهب إلى ربها إلا وهي نقية من غبار المعركة، على أن في كلامها ما يدل على أنها كانت حسنة النية في ذلك. وقال غير واحد إنها اجتهدت ولكنها أخطات في الاجتهاد ولا إثم على المجتهد المخطئ بل أجر على اجتهاده وكونها رضي الله تعالى عنها من أهل الاجتهاد مما لا ريب فيه. (٦) نعم قالت الشيعة إنه يبطل اجتهادها أنه - صلى الله عليه وسلم - قال يوما لأزواجه كأني بإحداكن تنبحها كلاب الحوأب، (٧) فإياك أن تكوني أنت يا حميراء. (٨) والحوأب كجعفر منزل بين


(١) في تاريخ الطبري: (يعتَّب)
(٢) تاريخ الطبري: ٣/ ٦١؛ المنتظم: ٥/ ٩٤.
(٣) تاريخ الطبري: ٣/ ٦١؛ المنتظم: ٥/ ٩٤.
(٤) ابن الجوزي، المنتظم: ٥/ ٩٥.
(٥) قال المجلسي: «وبالجملة بغضها لأمير المؤمنين - عليه السلام - أولا وآخرا هو أشهر من كفر إبليس، وكفى حجة قاطعة عليه قتالها وخروجها عليه كما أنه كاف في الدلالة على كفرها ونفاقها». بحار الأنوار: ٢٨/ ١٤٦.
(٦) ينظر منهاج السنة النبوية: ٤/ ٣١٦.
(٧) أخرج الإمام أحمد عن قيس بن أبي حازم قال: «لما أقبلت عائشة بلغت مياه بني عامر ليلا نبحت الكلاب قالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، قالت: ما أظنني إلا أني راجعة، فقال بعض من كان معها: بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله عز وجل ذات بينهم، قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لنا ذات يوم كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب». السلسلة الصحيحة (رقم ٤٧٥)
(٨) قال ابن القيم (رحمه الله): «وكل حديث فيه يا حميراء أو ذكر الحميراء فهو كذب مختلق». المنار المنيف: ص ٦٠.