للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا جاءوكم فرحبوا بهم» (١) وروى ابن أبي الدنيا (٢) «رأس العقل بعد الإيمان بالله تعالى مداراة الناس» (٣) وفي رواية البيهقي «رأس العقل المداراة» (٤) وأخرج الطبراني «مداراة الناس صدقة» (٥) وفي رواية له «ما وقى به المؤمن عرضه فهو صدقة» (٦) وأخرج ابن عدي وابن عساكر «من عاش مداريا مات شهيدا، قوا بأموالكم أعراضكم، وليصانع أحدكم بلسانه عن دينه» (٧) وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: استأذن رجل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا عنده، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة» ثم أذن له فألان له القول، فلما خرج قلت: يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول، فقال: «يا عائشة إن من شر الناس من يتركه الناس - أو يدعه الناس - اتقاء فحشه» (٨) وفي البخاري عن أبي الدرداء «إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم» وفي رواية الكشميهني «وإن قلوبنا لتقليهم» وفي رواية ابن أبي الدنيا وإبراهيم الحرمي بزيادة «ونضحك إليهم» إلى غير ذلك من الأحاديث.

ولكن لا ينبغي المداراة إلى حيث يخدش الدين ويرتكب المنكر ويسيء الظنون. هذا كله على مذهب أهل السنة، وبقي قولان لفئتين متباينتين من الناس وهم الخوارج والشيعة:

أما الخوارج فذهبوا إلى أنه لا تجوز التقية بحال، ولا يراعى المال وحفظ النفس والعرض في مقابلة الدين أصلا. ولهم تشديدات في هذا الباب عجيبة، منها أن احدا لو كان يصلي وجاء سارق أو غاصب ليسرق أو يغصب ماله الخطير لا يقطع الصلاة بل يحرم عليه قطعها، وطعنوا على بريدة الأسلمي صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يحافظ على فرسه في صلاته كيلا يهرب. (٩) ولا يخفى أن هذا المذهب من التفريط بمكان.

وأما الشيعة فكلامهم مضطرب في هذا المقام، فقال بعضهم إنها جائزة في الأقوال كلها عند الضرورة، وربما وجبت فيها لضرب من اللطف والاستصلاح، ولا تجوز في الأفعال كقتل المؤمن ولا يكون فيما يعلم أو يغلب على الظن أنه فساد في الدين. وقال المفيد: إنها قد تجب أحيانا، وقد يكون فعلها في وقت افضل من تركها، وقد يكون تركها افضل من فعلها. وقال أبو جعفر الطوسي: إن ظاهر الروايات يدل على أنها واجبة عند الخوف على النفس. (١٠) وقال غيره: إنها واجبة عند الخوف على المال أيضا، (١١) ومستحبة لصيانة العرض


(١) ضعيف الجامع: رقم ٣٢٩٧.
(٢) الحافظ صاحب التصانيف المشهورة، توفي سنة ٢٨١هـ. تذكرة الحفاظ: ٢/ ٦٧٧؛ طبقات الحفاظ: ١/ ٢٩٨.
(٣) ضعيف الجامع: رقم ٣٠٧٥.
(٤) ضعيف الجامع: رقم ٣٠٦٩.
(٥) ضعيف الجامع: رقم ٥٢٥٥.
(٦) ضعيف الجامع: رقم ٤٢٥٤.
(٧) وضعه في ضعيف الجامع: رقم ٤١١٥.
(٨) متفق عليه
(٩) أخرج البخاري عن الأزرق بن قيس قال: «كنا على شاطئ نهر بالأهواز قد نضب عنه الماء، فجاء أبو برزة الأسلمي على فرس فصلى وخلى فرسه، فانطلقت الفرس فترك صلاته وتبعها حتى أدركها، فأخذها ثم جاء فقضى صلاته، وفينا رجل له رأي فأقبل يقول: انظروا إلى هذا الشيخ ترك صلاته من أجل فرس! فأقبل فقال: ما عنفني أحد منذ فارقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: إن منزلي متراخ فلو صليت وتركت لم آتِ أهلي إلى الليل، وذكر أنه صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - فرأى من تيسيره». صحيح البخاري، كتاب الأدب
(١٠) مجمع البيان: ١/ ٤٣٠.
(١١) ينظر الكاظمي، الأصول الأصلية: ص ٣٢٩.