للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الباب الثالث في الإلهيات]

وفيها مطالب

الأول (١) أن النظر في معرفة الله تعالى واجب بالاتفاق، ولكنه قد وقع الاختلاف في أن هذا الوجوب الوجوب هل هو عقلي أو شرعي، فذهب الإمامية إلى الأول قائلين ما معناه: إنه فرض على كل مكلف بحكم العقل مع قطع النظر عن حكم الله تعالى، وذلك بأن يحكم العقل على كل مكلف أن يتفكر في صفات الله تعالى ويعرفه بتلك الصفات وجوبا. وذهب إلى الثاني أهل السنة قائلين: إن الوجوب شرعي، بمعنى أن النظر في المقدمة غير واجب بدون حكم الله تعالى، وليس للعقل حكم في امر من أمور الدين. (٢)

ومذهب الإمامية مخالف أيضا للكتاب والعترة: أما مخالفته للكتاب فلأنه قال: سبحانه {إن الحكم إلا لله} وقال {ألا له الحكم} وقال {لا معقب لحكمه} وقال تعالى {يفعل ما يشاء} و {يحكم ما يريد} وقال تعالى {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}. إذ لو كان أمرا واجبا بحكم العقل لوقع العذاب بترك ذلك الواجب قبل بعثة الرسل، واللازم باطل فكذا الملزوم. وأما مخالفته للعترة فلأنه قد روى الكليني في الكافي عن الإمام أبي عبد الله - عليه السلام - أنه قال: «ليس لله على خلقه أن يعرفوه، ولا للخلق على الله تعالى أن يعرفهم». (٣) فلو كانت المعرفة واجبة بحكم العقل لكانت معرفته تعالى واجبة على الخلق قبل تعريفه جل شأنه وهو خلاف قول الصادق.

واعلم أن تحقيق هذه المسالة وبيان الاختلاف الواقع فيها يتوقف على تحقيق مسألة الحسن والقبح والاختلاف الواقع فيها، فلا بد حينئذ من بيان ذلك.

فكل من الحسن والقبح يطلقان على ثلاثة معان: أحدهما كمال الشيء كالعلم ونقصانه الجهل.

وثانيهما ملائمة الطبع كالعدل والعطاء ومنافرته كالظلم والمنع ويقال لهما


(١) قال ابن تيمية عن الإمامية: «وأما عمدتهم في النظر والعقليات فقد اعتمد متأخروهم على كتب المعتزلة، ووافقوهم في مسائل الصفات والقدر، والمعتزلة في الجملة أعقل وأصدق وليس في المعتزلة من يطعن في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، بل هم متفقون على تثبيت خلافة الثلاثة» منهاج السنة النبوية.
(٢) قال ابن أبي العز في بيان عقيدة أهل السنة: «ومن المحال أن تستقل العقول بمعرفة ذلك وإدراكه على التفصيل، فاقتضت رحمة العزيز الرحيم أن بعث الرسل به معرفين وإليه داعين ولمن أجابهم مبشرين، ولمن خالفهم منذرين». شرح العقيدة الطحاوية
(٣) الكافي: ١/ ١٦٤.