للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثلاثون سنة أقام الخلفاء الراشدون العدل على نهج النبوة، وابتدأ الملك بأمر معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، ولم يكن في عداد خلفاء النبوة، وإن قيل خلافة معاوية، فذاك ملك وليس خلافة نبوة، وأشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هذه المراحل، قال حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -: كان الناس يسألون رسول الله عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ ، قال: «نعم» قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ ، قال: «نعم، وفيه دخن» قلت: وما دخنه؟ ، قال: «قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر» قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ ، قال: «نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها» قلت: يا رسول الله صفهم لنا، قال: «هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا» قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ ، قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ ، قال: «فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك» (١).

نفهم من حوار حذيفة هذا أن الخير الذي عاشه هو عهد النبوة وخلافة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، والشر بعد ذلك ما وقع في خلافة عثمان - رضي الله عنه - من خروج عليه وقتله ظلما وعدوانا، وهم أول نابتة الخوارج، والخير بعد هذا خلافة علي - رضي الله عنه -، وكان فيها الدخن بالخلاف بينه وبين معاوية لأن كلا الفريقين أتباع علي - رضي الله عنه -، وأتباع معاوية - رضي الله عنه - هم من المسلمين، يؤيد هذا قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن - رضي الله عنه -: «ابني هذا سيد، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين» (٢)،

وقد وقع بينهما خلاف بسبب الشر الذي وقع لعثمان - رضي الله عنه -، لم يكن معاوية - رضي الله عنه - معترضا على خلافة علي - رضي الله عنه -، بل طالب عليا بقتلة عثمان لأنه من أبناء عمومته يجتمع معه في أمية بن عبد شمس جد أبي سفيان - رضي الله عنه -، وتحققت سيادة الحسن - رضي الله عنه - بحقن دماء المسلمين، إذ تنازل لمعاوية - رضي الله عنه -، والدعاة على أبواب جهنم هم الفرق


(١) البخاري حديث (٣٦٠٦).
(٢) البخاري حديث (٣٦٢٩) ..

<<  <   >  >>