للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَدِينَةِ} (١)، قال عياض: والأحسن في الكلام حذفُ علامة التأنيث ونون الجماعة. وباب العدد في العربية: أن ما بين الثلاثة إلى العشرة مضافٌ إلى جنسه، ومن أحد عشر إلى تسعة وتسعين مميزٌ بواحد يدل على جنسه، وما بعد هذا مضافٌ إلى واحد من جنسه، وقد جاء هنا: النسوة، وهو جنس بعد إحدى عشرة، وهو خارج عن وجه الكلام، ولا يصح نصبُه على التفسير؛ إذ لا تفسير في العدد إلا بواحد. ولا يصلح إضافةُ العدد الذي قبله إليه، ووجهُ نصبه عندي على إضمار: (أعنى)، أو يكون مرفوعًا بدلًا من (إحدى عشر)، وهو الأظهر، وعلى هذا أعربوا قوله تعالى: {وَقَطَّعنَاهُمُ اثنَتَي عَشرَةَ أَسبَاطًا أُمَما} (٢)، (الأسباط) بدل من (اثنتي عشرة)، وليس بتفسير فيما قاله الفارسي وغيره. وقولها: (جلس إحدى عشرة)، قال النحويون: يجوز: جلستْ، كما تقول في واحد: جلست امرأة، ولو قلت: قام الرجال جاز، ويجوز: قامت، بتقدير: قامت جماعةُ الرجال، قال تعالى: {قَالَتِ الأَعرَابُ آمَنَّا} " (٣).

ومن صور الإطناب لديه: أنه قد يذكرُ أكثرَ من خمسة أقوال مع مناقشة صحتها أو خطئها ثم يرجِّح بينها، وذلك مثل: (لا يخرجكم إلا فرارًا منه)؛ إذ قال: "كذا هو بالنصب، ويجوز رفعُه، واستشكلهما القرطبي؛ لأنه لا يفيد بحكمٍ، ظاهره أنه لا يجوز لأحد أن يخرج من الوباء إلا من أجل الفرار؛ وهذا محال، وهو نقيضُ المقصود من الحديث، لا جرم قيده بعضُ رواة الموطأ: (الإفرار منه) بهمزة مكسورة ثم فاء ساكنة يوهم أنه مصدر، وهذا ليس بصحيح؛ لأنه لا يقال: (أفرَّ) رباعيًا، وإنما: يقال: (فَرَّ)، ومصدره فرار ومَفَرٌّ، قال تعالى: {أَينَ المَفَرُّ} (٤)، قال جماعة من العلماء: إدخال (إلا) فيه غلط، قال بعضهم: إنها زائدة كما تزاد (لا) في مثل قوله تعالى: {مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسجُدَ} (٥)، أي: أن تسجد، وقال بعض النحويين: (إلا) هنا للإيجاب؛ لأنها تعوِّض ما نفاه من الجملة، ونهاه عن الخروج، فكأنه قال: لا تخرجوا منها إذا لم يكن خروجُكم إلا فرارًا، فأباح الخروج لغرض آخر. والأقربُ أن تكون زائدة،


(١) يوسف: ٣٠.
(٢) الأعراف: ١٦٠.
(٣) التوضيح لشرح الجامع الصحيح ٢٤/ ٥٦٧ - ٥٦٨.
(٤) القيامة: ١١.
(٥) الأعراف: ١٢.

<<  <   >  >>