للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قَالَ الحافظُ ابْنُ حَجَرٍ في الفتح: "وَظَاهِرُ التَّرْجَمَةِ أَنَّ الْمُصَنِّفَ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى جَوَازِ نَظَرِ الْمَرْأَةِ إِلَى الأَجْنَبِيِّ بِخِلافِ عَكْسِهِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ شَهِيرَةٌ وَاخْتُلِفَ التَّرْجِيحُ فِيهَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَحَدِيثُ الْبَابِ يُسَاعِدُ مَنْ أَجَازَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَبْوَابِ الْعِيدِ جَوَابُ النَّوَوِيِّ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ صَغِيرَةً دُونَ الْبُلُوغِ، أَوْ كَانَ قَبْلَ الْحِجَابِ وَقَوَّاهُ بِقَوْلِهِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فَاقْدُرُوا قَدْرَ الْجَارِيَةِ الْحَدِيثَةِ السِّنِّ؛ لَكِنْ تَقَدَّمَ مَا يُعَكِّرُ عَلَيْهِ وَأَنَّ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ قُدُومِ وَفْدِ الْحَبَشَةِ وَأَنَّ قُدُومَهُمْ كَانَ سَنَةَ سَبْعٍ وَلِعَائِشَةَ يَوْمَئِذٍ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً فَكَانَتْ بَالِغَةً، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ الْحِجَابِ ... وَيُقَوِّي الْجَوَازَ اسْتِمْرَارُ الْعَمَلِ عَلَى جَوَازِ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ وَالأَسْوَاقِ وَالأَسْفَارِ مُنْتَقِبَاتٍ لِئَلا يَرَاهُنَّ الرِّجَالُ، وَلَمْ يُؤْمَرِ الرِّجَالُ قَطُّ بِالانْتِقَابِ لِئَلا يَرَاهُمُ النِّسَاءُ، فَدَلَّ عَلَى تَغَايُرِ الْحُكْمِ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ". (١)

قلت: أَشَارَ الحافظُ ابْنُ حَجَرٍ لتَارِيخ قُدُومِ وَفْدِ الْحَبَشَةِ وَأَنَّ قُدُومَهُمْ كَانَ سَنَةَ سَبْعٍ، وإنمَّا أخذها من بَعْضِ طُرُقِ الحديث من رواية ابن حبان البُسْتِي (٢)، وأمَّا حساب سِنُّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَوْمَئِذٍ فجاء كما ذكرت المصادر التَّاريخية أنَّ دخول النَّبِي عليها كان فِي شَوَّالٍ سَنَةَ اثْنَتَيْنِ، مُنصَرَفَهُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ - مِنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ، وَهِيَ ابْنَةُ تِسْعٍ (٣)، فَتَكُونُ على سَنَةَ سَبْعٍ قد بَلَغتْ الرَّابِعَةَ عَشَرَ.


(١) ابن حجر العسقلاني, فتح الباري، (٩/ ٣٣٦).
(٢) المصدر السابق، (٢/ ٤٤٥)، وقال الحافظ ابن حجر في هذا الموضع: " وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ ابن حِبَّانَ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ لَمَّا قَدِمَ وَفْدُ الْحَبَشَةِ وَكَانَ قُدُومُهُمْ سَنَةَ سَبْعٍ فَيَكُونُ عُمْرُهَا حِينَئِذٍ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً "، كذا قال، وربما كان لاختلاف وقع في تعين سن السيدة عَائِشَةَ - رضي الله عنهم - يَوْمَئِذٍ.
(٣) محمد بن عثمان الذهبي، سير أعلام النبلاء (٢/ ١٣٥).

<<  <   >  >>