للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فاستعمل في الترجمة صيغة الاستفهام للاحتمال الواقع في حديث أبي هريرة، فإنه شامل للجميع من شهد الجمعة ومن لم يشهدها، وكذا حديث أبي سعيد، وفي حديث ابن عمر تقييد وجوب الغسل بالمجيء لصلاة الجمعة فيخرج من لم يجيء.

ومن ثم اختلف العلماء في غسل يوم الجمعة هل هو للصلاة أو لليوم؟ وَيَتَفَرَّعُ عَلَى الاختلاف إذا كان الغسل للصلاة، ومن الجميع إذا كان لليوم. والأحاديث ناظرة إلى كِلاَ الاحْتِمَالَيْنِ، لأن حديث ابن عمر صحيح في أن الغسل للصلاة، والأحاديث الأخر ظاهرة في أنه لليوم (١).

وأما أن يعبر بالاستفهام في الترجمة على مسألة هي موضع اتفاق العلماء، ويكون المقصد إثارة الانتباه لمعرفة دليل هذه المسألة، أو أن ثمة تفضيلاً فيها بين العلماء، أو للاحتمال في الدليل الدال عليها. كقول البخاري في الجنائز (بَابُ هَلْ تُكَفَّنُ المَرْأَةُ [فِي] إِزَارِ الرَّجُلِ؟) (*).

وأخرج فيه حديث أُمَّ عَطِيَّةَ، قَالَتْ: «تُوُفِّيَتْ بِنْتُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ [لَنَا]: «اغْسِلْنَهَا ثَلاَثًا، أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، إِنْ رَأَيْتُنَّ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي»، فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَنَزَعَ مِنْ حِقْوِهِ إِزَارَهُ، وَقَالَ: «أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ» (٢). (**).

وقد نقل ابن بطّال اتفاق العلماء عَلَى جواز تكفين المرأة بإزار الرجل، لكن البخاري أشار بقوله: «هَلْ» إلى تردد في دلالة الحديث.

كما قال ابن حجر: «فَكَأَنَّهُ [أَوْمَأَ] إِلَى احْتِمَالِ اخْتِصَاصِ ذَلِكَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأَنَّ الْمَعْنَى الْمَوْجُودُ فِيهِ مِنَ الْبَرَكَةِ وَنَحْوِهَا قَدْ لاَ يَكُونُ فِي غَيْرِهِ، وَلاَ سِيَّمَا مَعَ قُرْبِ عَهْدِهِ بِعَرْقِهِ الْكَرِيمِ»، وقد كان أطيب من ريح المسك - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (٣). ( ... )

فالخصوصية به محتملة ولذلك ترجم الباب - بـ «هَلْ» -، وإن كانت كما ذكر القسطلاني


(١) " فتح الباري ": جـ ٢ ص ٢٦٠. و " شرح تراجم أبواب البخاري ": ص ٨١.
(٢) " صحيح البخاري ": جـ ٢ ص ٧٤. والشعار: ما يلي البدن من الثياب.
(٣) " فتح الباري ": جـ ٣ ص ٨٥.

<<  <   >  >>