للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

الحصير - الإِشَارَةُ إِلَى مَا رَوَاهُ اِبْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَغَيْرُهُ مِنْ طَرِيقِ شُرَيْح بْنِ هَانِئٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ: " أَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي عَلَى الحَصِيرِ وَاللهُ يَقُول ({وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا؟} [الإسراء: ٨]) " فَقَالَتْ: " لَمْ يَكُنْ يُصَلِّي عَلَى الْحَصِيرِ "، فَكَأَنَّهُ لَمْ يَثْبُت عِنْد الْمُصَنِّف أَوْ رَآهُ شَاذًّا مَرْدُودًا لِمُعَارَضَتِهِ مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهُ ... » (١)

فظهر بذلك ما وراء هذه التراجم من الفوائد القيمة.

وفي الحقيقة أن ما نجده في كُتُبِ السُنَّةِ المُبَوَّبَةِ مِنَ التَّرَاجِمِ الاستنباطية ليس إلا طَرَفًا من فنون البخاري البديعة في تراجمه، فما أكثر تعمقه وما أبعد غوصه! ثم ما أكثر فنونه!. لقد:

أَعْيَا فُحُولَ العِلْمِ حَلَّ رُمُوزِ مَا * ... * ... * أَبْدَاهُ فِي الأَبْوَابِ مِنْ أَسْرَارِ

ونذكر فيما يلي بعض ما تميزت به تراجمه الاستنباطية مِمَّا ذكره الائمة، وَعَدَّدَهُ العلماء، لِنُبَيِّنَ هذه المزية في مقام إظهار الخصوصية، فمنها:

١ - أنه في استنباط الأحكام والفوائد في تراجمه يتصرف في الأحاديث على طريقة الفقهاء، من تأويل لنص وتفسير لمشكل (مَثَلاً) ويسلك في ذلك طريق الإشارة فيظن بعض الناس أنه ليس هناك ارتباط بين الحديث والترجمة، ولكن إذا تأمل وجد ارْتِبَاطًا قَوِيًّا، لأنها - كما قال الحافظ ابن حجر: «بيان لتأويل ذلك الحديث، نائبة مناب قول الفقهاء مثلاً: المراد بهذا الحديث العام الخصوص، أو بهذا الحديث الخاص العموم، إشعارًا بالقياس لوجود العلة الجامعة. أو أن ذلك الخاص المراد به ما هو أعم، مِمَّا يدل عليه ظاهره بطريق الأعلى، أو الأدنى ويأتي في المطلق والمقيد نظير ما ذكرنا في الخاص والعام. وكذا في شرح المشكل، وتفسير الغامض، وتأويل الظاهر، وتفصيل المجمل، وهذا النوع هو معظم ما يُشْكِلُ من تراجم هذا الكتاب، ولهذا اشتهر من قول جمع من الفضلاء «فِقْهُ البُخَارِي فِي تَرَاجِمِهِ». وأكثر ما يفعل البخاري ذلك إذا لم يجد حَدِيثًا على شرطه في الباب ظاهر المعنى في المقصد الذي ترجم به، ويستنبط الفقه منه، وقد يفعل ذلك لغرض شحذ الأذهان ... وكثيرًا ما يفعل ذلك - أي الأخير - حيث ذكر


(١) " فتح الباري ": جـ ١ ص ٣٣٣.

<<  <   >  >>