للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

حِفْظُهُ وَقُوَّةُ ذَاكِرَتِهِ:

كان البخاري مَوْهُوبًا، مِمَّنْ اختصهم اللهُ بالحفظ وقوة الذاكرة، حَتَّى بلغ في ذلك أقصي غاية، وحتى عرف بذلك واشتهر، وكثرت أخباره واستفاضت.

قال محمد بن حُّمَوَيَهْ: سمعت البخاري يقول: «أَحْفَظُ مِائَةَ أَلْفَ حَدِيثٍ صَحِيحٍ، وَأَحْفَظُ مِائَتَيْ أَلْفَ حَدِيثٍ غَيْرَ صَحِيحٍ».

ومن أخبار حفظه الشهيرة: مسألة امتحانه لما قدم بغداد، فقد قلبوا له مائة حديث فجعلوا متن هذا الاسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، وألقوها عليه امتحانًا له فأعاد سَرْدَهَا كما سمعها، وعلى ترتيب سماعها. ثم رواها عَلَى الوجه الصحيح، فأعاد كل سند لمتنه، وكل متن لإسناده. فأقر الناس له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل (١).

إِمَامَتُهُ فِي الحَدِيثِ:

وقد أجمعت الأُمَّةُ عَلَى إمامة محمد بن إسماعيل البخاري في الحديث، وأثني عليه الناس، وكان رؤساء الحديث يقضون له عَلَى أنفسهم في النظر والمعرفة بالحديث.

قال الامام أحمد بن حنبل: «مَا أَخْرَجَتْ خُرَاسَانُ مِثْلَ مُحَمَّدٍ بْنِ إِسْمَاعِيلَ».

وقال له الامام مسلم بن الحجاج: «أَشْهَدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مِثْلُكَ».

وحسبنا قول الحاكم فيه: «هُوَ إِمَامُ أَهْلِ الحَدِيثِ بِلاَ خِلاَفٍ بَيْنَ أَهْلِ النَّقْلِ» (٢).


(١) وذلك كما رواه الخطيب البغدادي في " تاريخ بغداد " بسنده: جـ ٢ ص ٢٠ وحدث للبخاري نحو هذا الامتحان في البصرة وسمرقند، المرجع السابق: جـ ٢ ص ١٥، ١٦ و " طبقات الشافعية ": جـ ٢ ص ٦ و " البداية والنهاية " لابن كثير: جـ ١١ ص ٢٥. وانظر في أخبار حفظه " التذكرة ": ص ٥٥٥ و " هدي الساري ": جـ ٢ ص ٢٠٠.
(٢) انظر هذه الأقوال وغيرها كثير جِدًّا في " مقدمة فتح الباري ": جـ ٢ ص ١٩٦ - ١٩٩ و " التهذيب ": جـ ٩ ص ٥٠ - ٥٤ و " تهذيب الأسماء واللغات " للنووي " جـ ٢ ص ٧١.

<<  <   >  >>