للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا كان من مذاهب أهل السنة الإمساك عما شجر بين الصحابة، فإنه قد ثبتت فضائلهم، ووجبت موالاتهم ومحبتهم. وما وقع منه ما يكون لهم فيه عذر يخفى على الإنسان، ومنه ما تاب صاحبه منه، ومنه ما يكون مغفورًا.

فالخوض فيما شجر يُوقع في نفوس كثير من الناس بُغضًا وذمًا، ويكون هو في ذلك مخطئًا، بل عاصيًا، فيضر نفسه ومن خاض معه في ذلك، كما جرى لأكثر من تكلَّم في ذلك؛ فإنهم تكلموا بكلام لا يحبه الله ولا رسوله: إما مِن ذم مَن لا يستحق الذم، وإما مِن مدح أمور لا تستحق المدح. ولهذا كان الإمساك طريقة أفاضل السلف.

والكتاب والسنة قد دلّا على أن الطائفتين مسلمون، وأن ترك القتال كان خيرًا من وجوده. قال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (١٠)} (الحجرات:٩، ١٠)؛ فسمّاهم مؤمنين إخوة مع وجود الاقتتال والبغي.

وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنه قال: «تَكُونُ فِي أُمَّتِي فِرْقَتَانِ فَتَخْرُجُ مِنْ بَيْنِهِمَا مَارِقَةٌ يَلِي قَتْلَهُمْ أَوْلَاهُمْ بِالْحَقِّ» وهؤلاء المارقة مرقوا على عليّ، فدل على أن طائفته أقرب إلى الحق من طائفة معاوية.

وفي الصحيحين عن عَنْ أَبِى بَكْرَةَ - رضي الله عنه -:أَخْرَجَ النَّبِىُّ - صلى الله عليه وآله وسلم - ذَاتَ يَوْمٍ الْحَسَنَ فَصَعِدَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَقَالَ «ابْنِى هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ». فأصلح الله به بين أصحاب عليّ ومعاوية، فمدح النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - الحسن بالإصلاح بينهما، وسماهما مؤمنين. وهذا يدل على أن الإصلاح بينهما هو المحمود، ولو كان القتال واجبًا أو مستحبًا، لم يكن تركه محمودًا.

والذين رووا أحاديث القعود في الفتنة والتحذير منها، كسعد بن أبي وقاص، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد لم يقاتلوا لا مع علي ولا مع معاوية - رضي الله عنهم -.

<<  <   >  >>